الاعمال الفنية ماهي الا وقائع في منظومة الخطاب !!!

  الظاهراتية (الفينومينولوجيا) منهج فلسفي أسس لوجوده تاريخ الفلسفة ذاتها، أو لعلي أميل في تجذير هذا المنهج إلى حدود موغلة بالقدم، تكاد تصل إلى تلك المحطات الأولى في دراسة (الوجود)، عندما كان الإنسان يتخذ من الكهف مأوى له. ويمكن القول بأن (الظاهراتية) طريقة في التفكير أسس لها الوعي البشري منذ أن بدأ يواجه الطبيعة على أنها تمثل سلسلة من المخاوف المترابطة، وحينها أقام الوعي حصونا للمراقبة، وتشكلت بداية الممارسات لرصد الظواهر المختلفة، وسرعان ما تشكلت  الآلهة  التي تقف ورائها، وحينها بدأت صناعة الإنسان الأولى وهي  معالجة الظاهرة بالظاهرة، معالجة الخوف من الأشياء، بصناعة أشياء أخرى، حتى فوجئ الإنسان بأنه محاصر بنمطين من الموجودات، الأولى : تلك التي  وجدها في الطبيعة، والثانية: التي أقام لها أواصر ديناميكية لتشكل له نظاما من القوانين والمعتقدات في ما بعد، ويمكننا أن نطلق عليها لفظ (المصنعة)، أو المبتكرة ، والتي تمظهرت بأكثر من شكل كما في الفن والدين والفلسفة والاجتماع وغير ذلك. والحقيقة أن هذه الموجودات الثانية (المصنعة) سرعان ما أخذت تمثل بنية الوعي البشري دون منازع .

 

ربما ليس في الوجود من شيء  مصنع  لم يؤسس له الوعي البشري، عبر اشتغالاته في دائرة الزمكان ، وربما أمكننا أن نحيل فكرة المرجع الذي جاءت منه الظاهراتية الى مناطق معرفية شتى، غير ان هذا ليس هو الهدف المرجو من هذا المقال، وانما الهدف هو دراسة (الجسد الانساني) في الاعمال الفنية،  كظاهرة  طالما احتلت مركز الصدارة في مجمل المشاريع الفنية، ومنها التشكيل العالمي المعاصر ، خاصة ونحن نعلم ان للجسد  هيمنة كبيرة على الفعل الجمالي لصناعة الخطاب البصري، حتى اننا لا نستطيع ان ننظر الى تاريخ الفن إلا وهو  تاريخ اجساد بالدرجة الاساس، لقد اكتسب  الجسد  مقامه الرفيع ليكون مفردة من مفردات الخطاب الجمالي، خاصة وان هذا الخطاب غير منفك بأي شكل من الاشكال عن مزامنته للوعي البشري، واحيانا يكون هو الكاشف الحقيقي له .

 

هذا اذا ما وضعنا في نظر الاعتبار بنية الخطاب الصورّي واهميتها في مناقشة مقولات كبيرة ، حتى قبل وجود بنية الفكر الفلسفي ذاتها، ففي كثير من الأحيان كان يعني  فهم الصورة الجمالية   ، فهما لصورة  الجسدالإنسانية، تلك  الصورة  التي كانت وما زالت تمثل (الحروف) التي كُتبت بها كل رسائل الفن والدين والفلسفة والاجتماع وغير ذلك؛ الأمر الذي يجعل من  الجسد  وسيطا لغويا نسطر به ما شئنا وفي مختلف الميادين، نسطر به مقولاتنا التي نعدها نتائج الميادين المختلفة عينها ، وان كانت بطريقة ذاتية ، او بطريقة موضوعية. إننا نسطر به اسطورتنا  ذاتها، تلك التي تمثل وجودنا  الذاتي .

 

فكل اشكال الخطاب الجمالي الصوري لم تمتلك القدرة على الانفكاك او الانفصال عن كينونة  الجسد  الذي يشكل فيها كينونتها هي، منذ ان وجدت على جدران الكهوف، غير ان حضور احدى الكينونات في الاخرى ، يشكل واقعة خارجية ، هذه الاخيرة لم يكن لها ثبات مطلقا ، لانها تتغير تبعا لتغير  الاسلوب  او تغير  قيم التعبير، او تبعا لتغيير الوسائل والادوات التي بها يتم التنفيذ .

 

وهذا يعني ان الاعمال الفنية ، التي اسميناها (وقائع) بما فيها من  اجساد  معبرة ومشكلة بوسائل وخامات متعددة، لا يمكن ان يكون لها حيزا من الوجود من دون ان يكون لها (الانسان) مصدرا وعلة ، وهو  جسد، وبالتالي فأن  الجسد  هو الذي (ينحت او يرسم)  الجسد، اما بطريقة المطابقة (انا  هو  انا) واما بطريقة اللامطابقة (اناليس هو  انا)، والاول هو (الواقعة) الفيزيقية، والثاني هو (المتخيل) الميتافيزيقي، ولست بهذا اريد ان اكوّن منهما وجهان لعملة واحدة ، بل على العكس فقد شكلا مفترقان اساسيان اطلق على الاول منهما (المادية)، وعلى الثاني (المثالية) . وإن كان ذلك تسامحاً .

 

اخال للوهلة الاولى ، عند النظر الى  مجمل النشاط الجمالي  في الحقل البصري التشكيلي، انه يمكنني اطلاق هذه المقولة وبشكل من السداد المصاحب بالادلة التي يمكنها ان تكون (مجمل النشاط الجمالي) ذاته ، وهي : ان  الاجساد  التي في الاعمال الفنية ماهي إلا ابعاد تكوينية لإعادة انتاج الذات الحقيقية (الجسدالخارجي) في خطاب اخر، وسياق مختلف، فبالإمكان التنقل – من فن الكهوف، الى فن القرية ، الى فن الحضارات ، ثم إلى فنون الديانات السماوية، الى عصر النهضة وصولا الى الرومانتيكية وما اعقبتها من حركات فنية – في مجمل النشاط الجمالي، لتشخيص  الجسد   ، ليس  كعلامة  نبغي فك رموزها او مدلولاتها، وانماكظاهرة، اذ كيف سنفسر هذا (اللغز) الذي اكتنفه (الجسد) ليحتل كل هذة السلسلة الطويلة من التمثيلات الجمالية، ليصبح مهيمنا لا منافس له على الإطلاق، انه كان وما يزال محط رحال (المعنى) اينما وجد في الفنون التشكيلية، بمختلف نظم ادائياتها .

القليل من التأمل سيكشف لنا الحلول الكثيرة.. خاصة اذا ما ادركنا اهمية الصورة التي تتحدد بها الذات بوصفها ذات معينة ومتعينة في الوقت ذاته .






 

                                                                   المدرس المساعد

                                                                  احمد جمعة

                                                                      كلية الفنون الجميلة
                                                                    جامعة بغداد

Comments are disabled.