فن العمارة في عصر الانبعاث السومري — الاكدي :

zouher_sahebيمكن تحديد اهم الميزات والصفات المعمارية الفنية لابنية هذه الفترة في ثلاث انجازات رئيسة في فن العمارة ، وتشمل الزقورات والمعابد والقصور. 

 

(1) الزقورات :

الزقورة بشكل عام عبارة عن بناء مدرج يتالف من عدد من من الطبقات يترواح عددها بين ثلاث الى سبع طبقات ، تكون اكبرها في الاسفل ، واصغرها في الاعلى والتي يتوجها معبد صغير ، وتكون قاعدة الزقورة مربعة او مستطيلة الشكل.. يتراوح ارتفاع طبقاتها بين (30-50 م). يكون هيكل الزقورة صلدا ويبنى من الداخل باللبن الذي تتخلله في الطبقات العليا طبقات من الحصران والقصب وذلك لربط كتلة البناء فضلا عن ثقوب تخترق قلب البناء بشكل قنوات افقية ادخلت فيها الحبال المعمولة من البردي ، التي يرجح انها استخدمت بمثابة التسليح ، لاسناد الجدران الخارجية ازاء ثقل اللبن من الداخل ، وتغلف الزقورة من الخارج بكساء من الاجر الذي يتميز بوجود عدد من الطلعات والدخلات مهمتها إسناد الجدران بتشتيت ثقل الحجم الضخم لمساحة الجدار ، وتجميله عن طريق عكسه للظلال ، ويتم الصعود للزقورة بثلاثة سلالم ، احدها محوري يتعامد مع احد الاضلاع ويصل الى الطابق العلوي ، اما الاخران فجا نبيان يلتقيان بالسلم المحوري في الطبقة الاولى.

568تقدم لنا ابنية الزقورات الهائلة لحجم اوضح دليل على المستوى الفني العالي الذي بلغه فن العمارة في بلد وادي الرافدين في مجال استخدام الحاسبات والهندسية ، فقد جعلت قواعد الزقورات ذات الاضلاع الطويلة بشكل متساوي ومنتظم دون أي فرق بين طول ضلع واخر ، وبعد الطبقة الاولى يصغر حجم الطبقات تدريجيا بنسب منتظمة تشير الى تناسق كبير ، كما تتميز سلالمها الثلاث لاسيما سلمها المحوري الذي يوصل الى قمة الزقورة باستقامة تامة فقد كان المهندس تواقا لتقصير المسافة بين السماء والارض باسلوب هندسي بارع.

 

568aلقد كانت الزقورة تؤلف منصة هائلة الارتفاع لتكون وسيلة للاتصال بين السماء والارض.. فقد صممت لتسهيل هبوط الالهة الى الارض.. ولم يأل اناس هذا العصر جهدا في سبيل تهيئة مكان جدير باستقبال الزائر السماوي ، فمعبد الترحيب ينتصب على قمة البرج ويتصل بالارض بسلالم تصعد بواسطتها مواكب الزوار وتهبط وهي تؤلف كما كانت فعلا خطا دائما من الاتصال بين السماء والارض ، ترى الى أي مدى كانت علاقة البشر مع الالهة من اجل النفع العام تبدو ضرورية في هذا العصر؟ وتذكرنا الزقورات من اول نظرة بالاهرام المصرية وبصفة خاصة بما عرف بهرم (زوسر المدرج) ولكن علينا ان لا نخدع بالمشابهة الظاهرية ، فالواقع انهما استخدما لغرضين متباينين ​​ذلك ان الاهرام صممت لتكون قبورا لفراعنة مصر ، اما الزقورات فانها تنتمي بصفة قطعية الى ميدان عمارة دينية لا يمكن الشك أبدا في طبيعتهما وفي وظيفتهما الدينية كمعبد للالهة.

تعد ابنية الزقورات اول تفوق للعمارة العمودية في فن البناء القديم ، ويمكن ان نتعقب تطوره بدأ من العصر الشبيه بالتاريخي ، عندما بنيت المعابد فوق دكه عالية ، وقد حافظ السومريون بامانة مطلقة على مثل هذا النظام ، ثم تضاعف عدد طبقات البناء في العصور اللاحقة ، إذ بنيت الزقورات في بابل وعواصم الاشوريين من سبع طبقات ، ثم كان يلون كل منها بلون خاص ، وتغرس امام واجهاتها الاشجار الباسقة ، فلنا ان نتصور مظهر الزقورة العام بمعبدها الصغير العالي الازرق اللون الذي يرتفع لعلو شاهق ، وما يتركه من وقع ذي تاثير كبير في نفوس المتعبدين في ليلة مقمرة ، لكونه قد خصص في الأساس لاستراحة الالهة في رحلتها بين السماء والأرض. شكل (1-4).

 568b

(2) المعابد :

تبنى معابد هذا العصر اما قرب الزقرة فتكون مبعدا ارضيا تابعا للزقورة ، او تبني في مكان خاص بعيد عن الزقورة فتكون معبدا مستقلا يكرس لعبادة اله من الالهة او ملك من الملوك المؤلهين ، وكانت تشيد من اللبن باستخدام القير كمادة رابطة في البناء ، وتتميز معابد هذا العصر باشكال منتظمة واضحة التفاصيل تكون مربعة او مستطيلة في اغلب الاحيان يحيط بكل منها سور ضخم تتجه اضلاعه نحو الجهات الاربع. ومزين من الخارج بعدد من الطلعات والدخلات ، ويتالف الجزء الداخلي للمعبد من ساحة مكشوفة صغيرة يحيط بها من ثلاثة جوانب صف او صفان من الغرف المسقفة التي استخدمت لسكن الكهنة وخزن نذور المعبد وهداياه. اما الجانب الرابع للساحة ، والمقابل للمدخل من الجهة البعيدة ، فقد شغل بغرفتين مستطيلتين الشكل صممتا بوضع عرضي يتم الدخول من احداها الى الاخرى وتدعى اولاهما ( أنتي CELLA ) وهي غرفة تهيئ للدخول الى الغرفة الثانية التي تضم تمثال الاله ( CELLA ). ولذلك فان معابد هذه الفترة تنتمي الى المعابد ذات المحور الصحيح ( المحاور الرئيسية ) أي انه يمكن ان يشاهد تمثال الاله فيها من مدخل المعبد مباشرة ، ومن اشهر هذه المعابد معبد الاله (سن) في مدينة اور.

 

(3) : — القصور :

بني ملوك هذا العصر (عصر الانبعاث) قصورا لهم لم تكن بفكرتها وصفاتها المعمارية تعبيرا عن مفهوم الملكية والفكر الامبراطوري كما كانت القصور الاكدية ، ذلك أن ملوك هذا العصر كانوا يفضلون القرب من الالهة واحلال الخير في البلاد على غيرها من الافكار. فكانت قصورهم بفكرتها الخاصة عبارة عن مباني ادارية بسيطة ، تتميز باشكال منتظمة منسجمة الاجزاء تحتل مساحة صغيرة من الارض ولها اشكال نظامية ، مستطيلة او مربعة يقوم تخطيطها المعماري على ذلك النظام المعماري الموروث من العصور السابقة ، اذ انها تتالف من عدد من الساحات المكشوفة يحيط بكل منها ومن اربع الجهات عدد من الغرف المسقفة والمرات التي رصفت ارضياتها بالطابوق وقد تم جمعها الى بعض بنظام خاص لتؤلف مبنى معقدا متعدد المرافق ، وتحيط بها اسوار ضعيفة لانهما اعدت اساسا لاستقبالات الملك لجماهير الناس ، ترى الى أي مدى ابتعدنا في عمارة قصور هذا العصر عن الفكر الامبراطوري الاكدي على الرغم من وجود ملوك من الساميين في هذا العصر؟.. ومن اشهر القصور في هذه الفترة قصر الحاكم (شو — سن) في تل اسمر.

وأخيرا فإن منجزات عملاقة كهذه ، تبدو كل المنجزات الاخرى اقل شانا الا انها اكثر دهشة.. فلا يمكن ان يكون هناك شيء ما اكثر تاثيرا من مقابر الملكين (شولكي) و (أمار — سن) ، بسلالهما التي تهبط الى قبور مشيدة بالاجر تحت الارض ، وذات ابواب معقودة بشكل مستدق وليست اقل من هذه تاثيرا غرف الدفن التي تقع تحت سطح الارض في لكش والعائدة الى الحكم (اور — ننكرسو) ، وقد احتوت قبور الملوك المؤلهين هذه على مئات الهدايا جلبها مواطنون كانوا — يحجون اليها تاكيدا لورعهم وتقواهم.

 

ا. د. زهير صاحب

استاذ مادة تاريخ الفن القديم

كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد

Comments are disabled.