أستعرضنا في القسم الاول الطروحات والافكار والمفاهيم التي افترضت بوجود الصوت

 في الفيلم الصامت قدر تعلق الامر بأستخدام العزف الموسيقي المباشر وغير المباشر

 أثناء عرض الفيلم..وسنحاول في هذا القسم ان نقدم افتراضاتاخرى في هذا الموضوع..

 ومنها انه هناك افتراض يقوم على اساس وجود الصوت في الفيلمالصامت ولكن بشكل ذهني
 اي في ذهن المشاهد عند رؤيته للصورة فمثلاً عندما يرىالمشاهد قطاراً على الشاشة، فمن
 الضرورة أنه يتولد لديه الاحساس بالصوت لمجرد رؤيته للقطار بدون سماع صوته المتزامن…
 وهذا الافتراض يحتمل النقاش ايضاً كونه يستندعلى اساس ان المشاهد ومن خلال رؤيته للأشياء
 المعروضة على الشاشة والتي هي اساساًمدركة من قبله في الحياة المعاشة فأنه سيكون ذهنياً
 مايمكن ان نسميه((الصوت الذهني)).

فلواننا أفترضنا على سبيل المثال ان شخصاً في الريف لميرى قطاراً ويسمع صوته في حياته 

مطلقاً ويشاهد القطار على الشاشة فمن المؤكد انهسوف لا يتولد لديه اي
مصدر ذهني لصوت القطار 

من خلال رؤيته له على الشاشة.. وهناكاحتمال كبير ان هذا المشاهد سوف يفرض على صورة
 القطار التي يراها على الشاشة صوتاًهو اقرب الى مايوجد في بيئته.. وهناك احتمال انه
 يفرض صوت(مضخه ماء) او(ماكنهطحين) مثلاً على صورة القطار من خلال رؤيته للدخان
 المتصاعد من محرك القطار فأنهيقارن صورياً وبشكل ذهني الدخان المتصاعد من محرك
 القطار والدخان المتصاعد منعملية تشغيل(ماكنه الماء) او(ماكنه الطحين).. وهنا يقوم المشاهد
 بالتوليف الذهنيلصوت(ماكنه الماء) او (ماكنه الطحين) ..على صورة القطار الذي يراه في الفيلم.

وهذا ينطبق على الاشياء المدركة الحياتية الاخرى.. وهنايمكننا ان نقول ان
أفتراض وجو
د الصوت الذهني خاضع الى مدركات الحياة نفسها بالنسبةللمشاهدين وعليه فأن صفة الاطلاق 

والعمومية هنا تصبح غير دقيقة ولا تعطينا الحق فيالقول بأن الصوت في الفيلم الصامت يمكن 
ان يتولد على اساس أفتراض وجود مايسمىبالصوت الذهني، كما اننا سنواجه سؤالاً يقول
 لماذا قسمت السينما اذاً الى قسمين علىاساس وجود الصوت الى السينما الصامته والسينما 
الناطقه ولم تقسم الى سينما صامته(في حالة عدم وجود عزف موسيقي)، وسينما صامته 
(فيها نوع من الصوت في حالة وجود عزفموسيقي مصاحب)، وسينما ناطقة 
(نتيجة لتوحيد شريطي الصورة والصوت بشريط واحد).

اعتقد ان الجواب على هذا التساؤل يكمن في المرحلةالفاصلة
التي فصلت السينما الى قسمين

، وهي مرحلة توحيد شريطي الصوت والصورة
 بشريطواحد وحدوث ما يسمى باالتزامن الصوري الصوتي..
 وهذا يعطينا الحق في عدم اعتبار انالعزف الموسيقي او القطعة الموسيقية صوتاً
 في الفيلم الصامت حتى في حالة الصوت كمصدر ذهني يتولد من خلال
 المرئيات فهو بدوره خاضع لوعي وثقافة
 وأطلاع وتجربةوخبرة المشاهد الحياتية وبالتالي فأنه مايكونه من اصوات ذهنية مرتبط بشكل 
مباشربهذه الجوانب..ويمكننا القول ان العزف الموسيقي اثناء عرض الفيلم الصامت 
وكذلك افتراض وجود الصوت الذهني لا يجيز لنا القول بوجود الصوت في الفيلم الصامت
 لكونهماحالة مفترضة من خارج الفيلم المعروض نفسه ومفروضة عليه، وحول هذه
 النقطة لابد واننشير الى رأي ((ارنست لندجرن)) فيقول (( ومن النواحي الاخرى التي
 تختلف فيهاموسيقى الافلام الناطقة عن موسيقى الافلام الصامته هو ان أمكانية مطابقة
 الصوت للصورة بطرق آليه دقيقة تتيح الفرصة لخلق علاقة وثيقه بين الموسيقى والصورة 
وبدلاًمن ان تكون الموسيقى شيئاً منفصلا عن الفيلم تضاف اليه فيما بعد وتستمرطوال الفيلماصبحت
 الموسيقى الآن تظهر من حين لآخر فقط)).

أما أحتمال ان العزف الموسيقي المرافق للفيلم الصامت كان لغرض السيطرة 

على جو عرض الفيلم فهو احتمال راجح جداً ومحصور بهذا الاطار الوظيفي بالتحديد 
وهذا السبب بالذات قاد الى القول بالمعنى الكامل فيلم صامت كما تطرقنا فيالبداية.

ان مفهوم الناطق يرتبط غالباً بمفهوم الكلام (الحوار) فيالفيلم،

 وعندما اضيف الحوار ـــ الكلام ـــ والمؤثرات الصوتية الاخرى والموسيقى 
الى الفيلم واصبحا على شريط واحد اي المجرى الصوري والصوتي بشريط واحد فأن
 الفيلماصبح ناطقاً ونطقت الاشياء المتحركة ونطق الممثل بكلمات واضحه وحدث ما
 يسمىبالتزامن الصوري الصوتي..وبغير هذا الاعتبار فأن ما افترض من وجود الصوت
 في الفيلم الصامت سيبقى ضعيفاً للاسباب المذكوره لكوننا نبحث عن فهم شمولي للصوت في
 الفيلم السينمائي…واعتبار الجزئيات كالعزف الموسيقي والصوت الذهني لا يسمح لنا بهذا 
الفهم الشمولي للصوت في الفيلم السينمائي مع التأكيد  ان هنالك حقائق تاريخية تشير لنا 
عن المحاولات العديدة التي جرت لضم شريطي الصوت والصورة في الفيلم بشريط واحد ويشي
ر((ارنستلندجرن)) (( وقد اتبع آيوجين لوست خطا جديداً لبحث اكثر نفعاً فقد حصل في عام
 1906في بريطانيا على اول برأه اخراع لطريقة تسجيل ذبذبات الصوت فوتوغرافياً على
 الفيل ذاته وهي طريقة تكفل التطابق التام بين الصورة والصوت تلقائياً وبفضل تطور هذهالفكرة 
وما صاحبها في الوقت ذاته من تطور في اجهزة تكبير الصوت والكهربائية أمكنالوصول
 الى الفيلم الناطق الحديث)).

ان هذه المحاوله بالذات هي التي قربت لنا مفهوم الصوتبشكله الشمولي لان عملية التطابق

 والتزامن وتوحيد شريطي الصوت والصورة على شريطواحد هو الذي انتج لنا وجود الصوت في
 الفيلم السينمائي وحدوث عملية التزامن هذه هيالمرحلة الفاصلة ما بين السينما الصامته والسينما الناطقة.

واخيراً لماذا يكرر اصحاب رأي ان الموسيقى التي تصاحبعرض الفيلم الصامت صوتاً في الفيلم

 ثم يسترسلون في احاديثهم ويكررون استخدامهملكلمة الافلام الصامته والسينما الصامته
 طالما هم يعتبرون ان العزف الموسيقيالمرافق للفيلم الصامت صوتاً.

ومن خلال ما تقدم فأن اعتبار العزف الموسيقي المصاحبللفيلم الصامت لا يعطينا الحق في

 ان نرجح احتمال هذا النوع من الصوت يلغي صفه وجودالفيلم الصامت بشكل تام لكونه صوتاً
 خارجياً وصوتاً غير معبر عن الحالة الدراميةالتي يعرضها الشريط الصوري ولا وجود للمؤثرات
 الصوتية للصورة المعروضة على الشاشةوالممثل الذي لا ينطق بالحوار المطلوب … 
وكان الصمت بحد ذاته صفه جماليه وبلاغهصورية معبرة عن كل المفاهيم الصوتية 
وبالتالي فأن هذا الصمت كون جماليات الصورةالصامته،.. حقاً وكما قال ((تولستوي))
 في وصفه للسينما الصامته ((الصامت العظيم)).

وكما يقول ايضاً ((مارسيل مارتن)) بهذا الصدد ((فليسهناك ما يمنع من التفكير في ان

 الفيلم كان يسعه ان يتكلم قبل ذلك بعشر سنين اوخمسة عشر سنه. اي قبل ان تكون السينما
 الصامته قد انتجت روائعها الاولى وكونتجمالياتها لو ان ذلك حدث لما صارت هناك
 جماليات صامته)).

كما ان العزف الموسيقي لا يعطينا فهماً شمولياً لمفهومالصوت وما الموسيقى المعزوفه اثناء 

عرض الفيلم الا موسيقى يبغى فيها السيطرة علىجو عرض الفيلم والتقليل من ضجيج المشاهدين
 وآلات العرض السينمائي.. وحتى مفهومالصوت الذهني الذي يتولد من خلال الصور المرئية
 فأن احتمال اعتباره صوتاً فيالفيلم الصامت يبقى ضعيفاً بدرجة معينه لانه كما ذكرت 
خاضعاً للمدركات الحياتيهالتي يدركها المشاهد والذي يفرض هنا توليفه الذهني 
الصوتي الخاص
 على الصور المرئيةفي الفيلم الصامت في حين ان التطور الحضاري والتكنلوجي قد قلل من
 هذا الفهم فيالفيلم الناطق بحكم هذا التطور.

وهنا لجأت السينما الناطقه الى التعامل مع مفهوم الصوتالذهني بأستخدامات درامية 

معبرة وغايه
 في الدقه وبأطار جمالي من خلال مفرداتوعناصر التعبير الفيلمي، واصبح لمفهوم الصوت بعداً 
درامياً مضافاً في السينماالناطقة وحتى ما يقع في باب الصمت في السينما الناطقة والذي يدخل 
هنا كواحد منالاستخدامات الفنية عندما تعجز الكلمات عن التعبير فأن الصمت له مفعول
 بلاغي غاية في التعبير بحد ذاته.. وقد وصلت السينما ومن خلال التزامن الصوري
  ـــ الصوتي ـــ الى درجة من القدرة والبلاغهالتعبيرية، ويمكننا اعتبار التزامن
 المرحلة الفاعله والمهمه في تاريخ السينماعلىاعتبار ان الصوت المتزامن وسيلة تعبيرية
 مضافة للصوره في ارقى حالاته ولا يعدوبعده الطبيعي الحياتي في حالات استخدامه الاعتيادي.

يبقى لدينا ان نقول ان هذا التزامن ما بين الصورة والصوتوعلى شريط واحد نقله نوعيه في

 تطور مفردات التعبير الفيلمي ولم تعد الصورة تكافحوحدها لايصال المعنى بل اصبح الصوت
 والصورة وبشكله المتزامن حيز تزاوج على اظهارالمعنى الكامن والظاهري للصورة.. كذلك 
فأن السينما ومن خلال الصوت استطاعت انتخاطب ابسط الناس باللغة التي ينطقونها ويفهمونها
 وبالتالي فأنها اصبحت فناً شعبيا لكل الشعب.

المصادر:

  1. أرنست لندرجن، فن الفيلم، ت: صلاح التهامي، مؤسسة كاملمهدي للطباعة والنشر القاهرة، 1959.

2. أرثر نايت، قصة السينما في العالم من الفيلم الصامت الىالسينيراما، 

ت:سعد الدين توفيق، دار الكتاب العربي للطباعة، 1997.

  1. لوي دي  جانيتي،فهم السينما، ت:جعفرعلي، بغداد، دار الرشيد للنشر، 1997.
  2. مارسيل مارتن، اللغة السينمائية، ت، سعد مكاوي، الدارالمصرية للتأليف والطباعة، 1964.

Comments are disabled.