لقد قيدت الحركة الاتباعية الحرية الفردية و العمل الفني وأثر الخيال الشخصي، مما جعل الفنان يتجه الى الابداع ، رداً على تلك الحركة،  وقد عبر عن ذاته ومشاعره الخاصة وعالمه الباطن. وقد ظهرت هذه النزعة في أقوال الإبداعيين، كما برزت في أعمالهم. فالفن عند دولاكروا (نشوة منظمة)، والتصوير عند كونستبل (مرادف للشعور). أما المصور الألماني فريدريخ ، فيذكر أن على الفنان ألا يصور ما يراه خارجه فحسب، وإنما ما يراه من داخله أيضاً، فإذا لم ير شيئاً من داخله، فالأجدر به أن يكف عن تصوير ما يراه خارجه، وإلا كانت لوحاته أشبه بتلك الستائر التي لايتوقع أن يرى خلفها إلا أجسام المرضى أو جثث الموتى. والعناصر التي غذّت الخيال الإبداعي تشكلت جميعها تقريباً منذ القرن السابع عشر، ففي الفنون التشكيلية من تصوير ونحت تهافتت الاتباعية وأصبحت المناهل الإغريقية اللاتينية مملّة، فالتجأ الفنان إلى المناخ الأنكلوسكسوني والجرماني المشبع بالتهاويل. وكان غويا أول من فتح الطريق إلى الخيال الخرافي الواسع في نهاية القرن الثامن عشر. وقد تأثر ظهور الإبداعية بعناصر القلق والدمار والحروب التي رافقت الثورة الفرنسية وحروب نابليون، وتأثر كذلك بمظاهر الفردية التي رافقت البرجوازية الاجتماعية. واقترنت الإبداعية، في تمردها على عقلانية عصر )التنوير ( بالحنين إلى روحانية العصور الوسطى وفروسيتها. وساد نوع من الإحياء لفن العمارة القوطية سواء في إنكلترة أو ألمانية أو فرنسة. وكان لشاتوبريان وهوغو في فرنسة، وسْكوت وشكسبير واللورد بايرون في إنكلترة، وغوته في ألمانية، دور مهم في هذا الالتفات إلى القرون الوسطى التي وجد الإبداعيون في فروسيتها و )نورانية) مشاعرها وقوداً للخيال والعاطفة أوفر حرارة وحيوية من (نور) العقل الذي هام به فلاسفة القرن الثامن عشر. واقترنت الحركة الإبداعية أيضاً بالتطلع إلى الشرق الغريب الغامض المبطّن بالأسرار، فكان الحلم بالشرق من أبرز مميزات الأدباء والفنانين الإبداعيين، وقد قام بعضهم بزيارة المغرب العربي وبلاد تركية وسورية ومصر، وكان دولاكروا أكثر من ثبت دعائم الاستشراق الفني في أوربة. ففي لوحته (نساء جزائريات) معالم إبداعية جديدة تتحكم في العمل الفني، إذ تتكشف في هذه اللوحة رغبة الفنان في الاستشراق وفي ارتياد معالم الشرق للكشف عن عادات خاصة كانت تشغل أذهان الأوربيين، وكان دولاكروا قد اطلع على العادات العربية الإسلامية في أثناء زيارته للمغرب العربي. ومما لاشك فيه أن دولاكروا وأنغر قد بالغا في تصوير الحياة الداخلية في قصور المغرب، وتجاوزا الواقع، لكنهما كانا يسيران مع تخيلاتهما التي تفاعلت مع القصص المغالى فيها والمستمدة من أساطير ألف ليلة وليلة. الإبداعية في التصوير: تقوم الإبداعية في التصوير على غلبة الخيال على الواقع، والاعتماد على العاطفة الشخصية، والبحث عن الغموض والوساوس والتأمل المجنّح والاغترابية للوصول إلى عالم جديد غريب بتقاليده ومظاهر الحياة فيه. وتميل الإبداعية إلى الابتعاد عن الموضوعات التقليدية، وتهتم باللون اهتماماً خاصاً كما تهتم بالواقع، وإن كان هذا الواقع قبيحاً، وبإثارة العواطف القومية والوطنية، وبالمبالغة في تصوير المشاهد الدرامية. وقد أخذ الخيال في الإبداعية مكانه في ابتكار الأشكال الجديدة الغريبة. ومما لاشك فيه أن الفكر الجديد أسهم إلى حد كبير في إطلاق حرية الفنان والأديب في اختيار طريق خاص للمعرفة والحس، إذ عُدّت الحساسية وسيلة الفنان لمعرفة العالم معرفة فردية خاصة. لقد كانت للفردية الأثر الأكبر في أول الطريق إلى الإبداعية من حيث هي فن حديث. وفي هذا المجال يقول دولاكروا(إنه لمن الضروري أن يجد الفنان لنفسه طريقة خاصة ينظر بها إلى الأشياء، فروح الفنان كالبرونز الذي يعطي جرسه عند كل صدمة، وقد تكون الروح في تأمل الطبيعة أو في قراءة شاعر، ولقد استوحيت الكثير من قراءتي لغوته وشيلر وبايرون وشكسبير، ولم تكن الطبيعة نموذجاً بل هي إثارة). من هنا ابتعدت الإبداعية عن الالتصاق بحقيقة الواقع، وسعت وراء عوامل بعيدة عن البيئة التقليدية، فنفذت إلى ما وراء أسرار الشرق وسلطت أضواءها على ظلام القرون الوسطى، وراح الفنان يسير نحو السراب ويجعله  حقيقة.

 ففي فرنسا تجلت الإبداعية في أعمال أوجين دولاكروا الذي تزعم الحركة الإبداعية بلامنازع زهاء أربعين عاماً، فقد امتزجت الإبداعية لديه بثقافة تقليدية عميقة، وتأثر بمؤلفات غوته وشكسبير وسكوت. و يعدّ فنّه امتداداً لعصر الباروك ولاسيما لفن ميكيلانجلو وتينتورِتّو وروبنز وكان دولاكروا في رسومه بالقلم أو الألوان المائية يطلق العنان لنشوته ودفق عاطفته. وكان خياله أميل إلى عالم الكوارث والفواجع وعالم المعارك والمذابح والحرائق والسماوات المنقضّة، لذلك حفلت لوحاته بصور الجرحى والجثث التي يخيم عليها شؤم الأقدار، والأجسام الملتوية، والخيول الجامحة، والوحوش التي أريقت دماؤها، والأمهات الولهى، والأطفال الذين تدوسهم سنابك الخيل. وفي تعبيره عن الحركة الدرامية جعل لغة الألوان تؤدي دوراً أساسياً، فهي مادة هذه الحركة وقوامها، وليس مجرد صبغة إضافية لكسوة الأجسام. وقد استفاد دولاكروا في هذا الصدد من أسلوب كونستبل، فاستخدم الألوان استخداماً يقوم على الفصل بين درجاتها للحفاظ على حيويتها. فهو كما يقول بودلير يوائم بينها كما يصوغ الموسيقي أصوات السلم الموسيقي ، فيستخرج منها مختلف الألحان. ومن أشهر أعمال دولاكروا (الحرية قائدة للشعب) (1831م) و(مذبحة سيو)(1828 )و )موت ساردانابال ( . وجاء تيودور جيريكو ليدعم بأعماله أسس الإبداعية، واعتمد في فنه على المبالغة في التعبير عن الحوادث مما دفعه إلى الإكثار من تصوير جثث الموتى والمجانين. واستطاع هذا الفنان أن يجمع في فنه تأثيرات متضاربة فقد تأثر بميكيلانجلو وغرو وروبنز وكارافاجو وكونستبل ومورلاند. ومن أهم لوحات جيريكو (طواف الميدوز) (قنديل البحر) (1817 م)، وهذه اللوحة التي تقف عند حيوان بحري هلامي يضيئ في الليل وتكتسب قيمتها من كونها رمزاً للحالة الإنسانية بكل ما فيها من ألم وصراع بين اليأس والأمل. كذلك قدمت الإبداعية في فرنسا أعمالاً رائعة في مجال آخر هو (المناظر الطبيعية) ولكنها تخلت هنا عن المكانة الأولى لألمانية وإنكلترة في هذا المجال إذ كان المنهج الأكاديمي أقل تصلباً ومتانة.واهتم الفنانون الإبداعيون في ألمانية بالمناظر الطبيعية، وعبّروا بوساطتها عن مشاعرهم ورؤاهم ذات الطابع الخيالي الميتافيزيقي أو السريالي. وتبدو مثل هذه المشاعر في أعمال فيليب أوتّو رونغِه( 1777 م 1810 م)، وكسبار دافيد فريدريخ، وهذا الأخير قدّم للإبداعية شكلاً تصويرياً فريداً مستقلاً عن التقاليد المتبعة في رسم المناظر وترتبط أعماله بمشاهد الطبيعة، ووقع الأضواء والألوان الباهرة، وبزوغ القمر وغروب الشمس وامتداد البحر، والجبال المكسوة بالثلج، وغيرها من المشاهد الطبيعية التي تفرض نفسها بتأثيرها التعبيري النفساني ورمزيتها التصويرية وتعبر عن علاقة )الأنا ( بالطبيعة. وفي إنكلترة تجلت الإبداعية بمظاهر جديدة وبأشكال مختلفة لفتت انتباه الوسط الفني الأوربي، ويعدّ كونستبل وجوزيف تورنر ( 1775 1851 م) من أبرز الفنانين الإبداعيين الإنكليز. فقد ارتبط عمل كونستبل ارتباطاً مباشراً بالطبيعة وانتقل بألوانه وأدواته إلى الطبيعة العراء ليصورها إذ عشق سماءها وأضواءها ورياحها وأمطارها في واقعها الحي النابض بأدق معالمها. وقد هوجمت أعماله في فرنسة من الاتباعيين الذين لم يجدوا فيها سوى تصوير لمشاهد ريفية تافهة. ومن أشهر أعماله: (حطام السفينة) (1805م). أما تورنر فيعد من أبرز ممثلي الرؤية الداخلية. وبفضل أعماله ذات الطابع الشاعري، وألوانه الشفافة، والحركة المنبعثة فيها من الجمود، استطاع أن يحدث انقلاباً في التصوير مهّد للتحولات الفنية التي شهدها القرن التاسع عشر بعد ذلك، وقد حافظ الفنانون الإبداعيون الإنكليز في تصويرهم الطبيعة على ملامحها الخارجية وأبقوا على ميزاتها الأساسية وعلى صفائها، مستخدمين الألوان المائية التي جعلوا منها فناً رفيعاً.ولم  يتناول غويا، في أعماله الفنية، الطبيعة كما رآها الفنانون الإنكليز والألمان، وإنما تناول الإنسان في أسلوب أقرب إلى التعبيرية. لقد كانت عبقرية غويا تنقله الى وادي الخلود لو لم يخترق تلك الغيوم والضباب الكثيف الذي كان يخيم على مجتمعه من تقاليد وعادات و افكار جامدة حد الموت بفعل محاكم التفتيش التي خنقت الحياة بوحشية وقسوة تقشع من هولها الابدان ….. فكانت رسوم – النزوات – تمثل مرحلة متطورة جدا في اعمال غويا فبعدما عاش في البلاط الملكي فترة مهمة من حياته وامتزج مع الطبقة الحاكمة , ورأى بأم عينيه فساد الحكم ومساوئه, واغتصاب حقوق الناس وفرض الضرائب الباهضة التي اناخت بالامة و استنزفت قوتها من اجل بناء القصور والكنائس والاديرة, بالاضافة الى ذلك تلك التقاليد والعادات المتخلفة…

وقد اتبع تقنية جديدة تقوم على الضربات اللونية السريعة العفوية وتضاد الظل والنور. اماالإبداع في العمارة فقد  تأثر المهندسون المعماريون بالاتجاه الإبداعي السائد، وتمثل ذلك في نقدهم لزينة العمارات القوطية وفي إعجابهم بهيكلها. وكان ذلك إشارة للثورة على أسلوب اليونان والرومان التقليدي. كذلك أعجب المعماريون الإبداعيون بأبنية العصور الوسطى، ولاسيما في إنكلترة، حيث قام جيمس ويات )  746 1813 م) الذي يعد متحرراً نوعاً ما، ببناء قصور ومنازل فيها لمحات إبداعية منذ نهاية القرن الثامن عشر. ومن أشهر أعماله (كنيسة فونتيل) ومن تلاميذه أوغست بوغن الذي أسهم في إعادة بناء قصر ويستمنستر في عام (1834م) وأشرف بوغن كذلك، بالاشتراك مع شارل بيرّي ، على بناء البرلمان في لندن منذ عام( 1840 م) أما في فرنسا فقد كان لإنشاء كل من متحف الأبنية الفرنسية، ومصلحة الأبنية التاريخية، والجمعية الفرنسية للآثار، وكذلك لدراسات المؤرخين الكبار، الأثر في جلب انتباه المعماريين الإبداعيين إلى الفن القوطي. كما أتاحت أعمال لاسوس ، وفيوليه لودوك  تعرّف هذا الأسلوب. وهكذا بنى غو  في عام (1845م )كنيسة القديسة كلوتيلد، وتكاثرت على واجهات المنازل الزخارف القوطية المتكررة من أوراق منقوشة، وزهور منحوتة، ووجوه مقطبة وعقود متقاطعة. أما في ألمانية فقد تأثر المعماريون الإبداعيون بالطراز البافاري والهانوفري (نسبة إلى مدينة هانوفر)، وطبعت الانتقائية الكثير من النحاتين والمعماريين بطابعها، ولم يعد العصر الوسيط العهد الوحيد الذي يثير فضولهم، ومهدت الإبداعية لظهور الفن الحديث.وفي البلاد العربية نحا عدد غير قليل من الفنانين العرب نحو الإبداعية.

Comments are disabled.