للوهلة الأولى قد يتبادر إلى الذهن إن هذا الموضوع يخص علاقة الفن بالحياة وفي طبيعة الوثيقة في كون الفن كان من القدم ولا زال مرآة للحياة .

وهو ما يؤكد أو يشير الى تلك النظرية التي تعتمد المجتمع مادة للفن وموضوعاً له ومناخاً مناسباً لنموه ( نظرية الفن للمجتمع ) هذا في ضفة الفن للحياة ومن الحياة وفق رؤى تقليدية في كيفيات التعبير وترجمة احداث ومواقف تلك الحياة وفق رؤى مباشرة أعتمد الية النقل الأمين لعناصر التجربة المعتادة وبآليات ومهارات تقليدية أيضاً فتلك الرؤى والآليات المحققة لها ، قيدت ذواتها في أتون التقييد المقيت والممل.

إما الضفة الثانية ( نظرية الفن للفن ) فقد تم التحول الجذري في شقين هما الرؤى والآليات أيضاً فالرؤى تعددت بين فكرية وجمالية وتحولت من موضوعية مطلقة الى ذاتية وفردانية لا تمت بصلة الى ضاغط المجموع ، متعدد الرؤى والأمزجة الى آليات هي أيضاً تحمل من الفردانية والذاتية القسط الكبير وتحيد بالفعل الإبداعي الى مساحات التأويل وفق فلسفات ورؤى التلقي المعاصرة التي تفعل بدورها دور المتلقي وتلقي على عاتقه الدور الأكبر في عمليات التجربة الجمالية وخوض غمارها بخطى قد تكون بعيدة عن العمل الفني ذاته ، وتوجهاته وأسلوبه ليمنحه من جديد قاعدة انطلاق لرؤى جمالية أخرى قد تكون في كفة ميزان المتلقي دون العمل الفني ، مما يجعل العمل الفني هما مجرد نقاط أستفزاز رؤيوي وجمالي وفكري يصب في ضفة المتلقي ، مما يجعلنا أمام مراكز استفزاز معرفي ومما يدعونا الى رصد هذا الفعل بكونه تظاهرة رؤيوية وفكرية تتجاوز الرؤية الفردية والذاتي للعمل الفني وفنانه ، وهذا يعني ان بعض الاعمال الفنية المعاصرة قد تكون نقاط ومحاور استفزاز معرفي أكثر مما تكون علاقتها بهذا الجانب من الحياة جزئياً او كلياً ، وهي بهذا الفعل تكون نقاط أسثوار ( خلق ثورة ) في تعدد المعنى والتأويل وحرية التعبير والانتماء لهذه الصفة او تلك ولهذه الآلية او تلك وهكذا يبدو لنا جلياً مدى العلاقة بين الفن ورؤاه من جهة وبين الفن وآلياته من جهة أخرى ، ومدى تنوع تلك الرؤى من جهة ثالثة وبين امكانية الاستفزاز الإبداعي والمعرفي للمتلقين من جهة رابعة وتنوع هذا وذاك بين هذا المتلقي او ذاك في هذا العمل الفني او ذاك .

ومن هذا يمكننا ان نؤكد ان الفن وعلاقته بالحياة لم يقتصر على انعكاس الحياة ومواقفها ولحظاتها ومظاهرها ونقل عناصرها الى الفن المعاصر ، بل ان الفن المعاصر يتمثل بمستوى نقاط الاستفزاز والتثوير الابداعي والمعرفي والجمالي ومراكزه المؤثرة باعداد المتلقين التي لا حدود لها في ظل ثورة الاتصالات وبأمزجتهم المتلاطمة المتغير ة التي غادرت الثبات في الرؤيا والتأويل وتمنطقه الى تجاوز هذا المنطق او ذاك في هذا الفن او ذاك وهكذا .

Comments are disabled.