أساليب المخرجين السينمائيين العراقيين الرواد

( حيدر العمر )                                ( القسم الأول )

                                                               

قبل الحديث عن ما يمكن أن نسميه أساليب المخرجين السينمائيين العراقيين نود القول وفي مطالعة أولية وسريعة ومن إنطباع الوصلة الأولى أن أغلب توجهاتهم أتسمت بالانحياز نحو تنويعات أسلوبية معتمدة على المنهج الواقعي في السينما ، وكما يبدو لنا فأن وراء ذلك عدة أسباب لعل من أهمها أن فترة ظهورهم – المخرجين – جاءت في الخمسينات والستينات التي شهدت ظهور ونمو وإنتشار الواقعية الإيطالية الجديدة والموجة الفرنسية الجديدة ، وكان التأثير لهذه الاتجاهات الأسلوبية واضحاً على أعمال هؤلاء المخرجين الرواد ، أضف إلى ذلك العامل الاقتصادي الإنتاجي وتشابه ظروف الإنتاج السينمي مع ظروف الإنتاج في البلدان التي تبلورت فيها هذه الاتجاهات مما قاد ذلك إلى تبني هذه التنويعات الأسلوبية .

كما يمكننا أن نضيف سبباً آخر نجده معقولاً جداً ومتمثلاً في المنجز السينمي العراقي وهو يعود إلى رغبة العديد من هؤلاء المخرجين في إختيار موضوعات لصيغة أو معبرة عن الواقع العراقي أو الحياة الاجتماعية العراقية في تلك الفترات والحقيقة أن ذلك يحقق لهؤلاء المخرجين هذه الرغبة لكون الواقعية أو التوجه نحو أتجاهات الواقعية في السينما يتسم بالبساطة في استخدام التقنيات السينمائية اللازمة والتي هي وكما هو معروف مكلفة وتحتاج إلى رصيد مالي وخبرات تقنية وتخصصية عالية وهو ما لم يكن متوفراً في ذلك الوقت ، وقد يكون هذا من الأسباب المهمة ايضاً .

من جانب آخر لا يعني قولنا هذا عدم وجود بعض التنويعات الأسلوبية التي تعتمد على المنهج الانطباعي السينمائي والتي تمثلت في عدم محاولات لهؤلاء المخرجين الرواد وهو ما يمكن أن نلاحظه في العديد من الأفلام ، لكن الملاحظ أن هذا التوجه لم يكن بمستوى التوجه الأول .

ومما لاشك فيه أن الأسلوب يتأتى من حصيلة معرفية وخبرات في العمل السينمي والذي يصقل وفق معطيات عده منها على سبيل وليس الحصر الظروف المحيطة بالمنجز السينمي وصانع العمل وتأثيراتها سواء كانت الاجتماعية او السياسية أو الاقتصادية او الثقافية أو النفسية … ألخ …. لأنها تلعب دوراً مهماً في بلورة الأسلوب بهذا القدر من الكفاءة او ذاك القدر مضافاً إليها الخبرة والمعرفة والتي تشكل بصورة جمعية مسار وطبيعة الأسلوب السينمي .

هذه العوامل مجتمعة تتيح لنا إمكانية فحص أو تسليط الضوء أو دراسة أساليب هؤلاء المخرجين السينمائيين العراقيين الرواد .

وفي هذا الجزء ستكون البداية مع أهم رواد السينما العراقية وهو :

المخرج حيدر العمر

المخرج حيدر العمر أخرج فلمين معروفين هما ( فتنة وحسن ) و ( أرحموني ) هذا المخرج لم يكن قد درس الإخراج اكاديمياً ولكنه أستطاع أن يتفرد بريادة إخراج أول فيلم عراقي روائي خالص .

فيلم ( فتنة وحسن ) ( حكاية الفيلم )

يتناول الفيلم قصة حب بين ( حسن وفتنة ) والذي تحاك له الدسائس من قبل ( زوجة عم حسن ) وهي ( أم فتنة ) والتي كانت تبغي زواج ابنتها من ابن أخيها ، وبسبب ارتباط ( فتنة ) بعلاقة حب مع أبن عمها ( حسن ) تخيب مساعيها في عقد مثل هذه الزيجة ، الملاحظ ايضاً أن ( حسن ) يعيش معهم في نفس البيت ، وبسبب هذه الإشكالات والمخططات يطرد ( حسن ) من البيت في النهاية ، وعن طريق الصدفة وعبر محادثة خاصة قد أسترق سمعها العم بين الأم وأبن أخيها يكتشف كل الدسائس والعراقيل التي وضعت أمام زواج حسن من فتنة ، فيقرر الأب طرد زوجته وإعادة ( حسن ) إلى البيت ومن ثم زواجه من ( فتنه ) وفي لحظات الزفاف تطلق النار على ( حسن ) وتسرع العروس ( فتنة ) وبمساعدة الآخرين في مطاردة القاتل وثم النيل منه والعودة إلى العرس حيث لم تكن إصابة العريس خطيرة وهكذا ينتهي العمل بهكذا بناء خطأي بسيط .

فيلم ( أرحموني ) ( حكاية الفيلم )

تدور أحداث الفيلم حول فتاة فقيرة قد خدعت في قصة حب من خلال احد أبناء الأثرياء الذي يستغل حبها له ، تبدأ الأحداث بعد ان يرتكب أخيها جريمة السرقة ويدخل السجن ، وعلى أثر ذلك يمرض والدها ويعجز عن العمل ، وهنا تتولى هي مسؤولية كل شيء ، تصطحب والدها المريض إلى المستشفى حيث تلتقي بذلك الشاب الثري الذي يغويها بكرم مساعدته لها في ظروفها الصعبة لكنه كان يبغي غاية أخرى ، وهكذا تدور أحداث الفيلم بهذه البساطة الدرامية إلى أن يغويها ذلك الشاب الثري وتسلم له نفسها ثم تصبح حاملاً منه ، حيث تبرأ منها ذلك الشاب ، ومن ثم تهرب من البيت خشية أفتضاح أمرها … وتبدأ رحلة طويلة من العذاب والبحث عن العمل في مدينة البصرة لكنها تفشل في ذلك فتضطر للاستجداء ، وأثناء ذلك تلتقي في احد المقاهي بأحد الجالسين ويسألها لماذا لا تعمل بدل الاستجداء ، وهكذا يتفق معها على العمل في بيته كخادمة ، هذا الرجل يمتلك مسرحاً إستعراضياً ، وأثناء ما كانت بطلة الفيلم تقوم بـ ( هدهده ) طفلها النائم في بيت ذلك الرجل تغني وبصوت عذب وبطريق الصدفة يسمعها مع صديقه الملحن ويعجبان بالصوت ، وهكذا تصبح مطربة في ذلك المسرح الاستعراضي ويعجب بها الملحن ويتزوج بها ، وهكذا تسير الحياة حلوة وبسيطة إلى أن يخرج أخوها من السجن ويبحث عنها مع والده ويتوصلان إليها وفي لحظة دراماتيكية يطول شرحها يعفيان عنها وبهذا ينتهي الفيلم بحلول درامية بسيطة .

التحليل

الملاحظ في الفلمين السابقين أن البناء الحكائي لهما يكاد يكون متشابه ولكن بأوضاع مختلفة ، فمفاهيم مثل التضحية والحب والخيانة والغدر وعدم قطع سبيل الخير والإنقاذ في اللحظات الأخيرة والقدرية والصدفة عوامل مشتركة في هذين الفلمين ، وهي في الواقع مؤثرات أولية نسجلها قبل البدء في التحليل ، صحيح أن المعالجة جاءت بطريقة ميلودرامية لكن طريقة عرض ذلك جاءت متسمة بواقعية معاشة نتيجة للظرف والفترة الزمنية المعاشة آنذاك والتي لم يلعب بها الخيال بطريقة أو بأخرى من اجل البحث عن صياغات سينمائية مختلفة بل هيمنت الواقعية المعاشة على شكل وأسلوب العرض والتنفيذ .

        كما نلاحظ أن هذين الفلمين قد ملئت مشاهدهما بالعديد من الأغاني الاستعراضية والتي احتلت تقريبا نصف مساحة وفضاء العرض ، ايضاً نلاحظ وكبناء حكائي لجوء المخرج إلى استخدام ( فلاش باك ) بكثرة كوسيلة مهمة للانتقال بين احداث الفيلم حيث كان وسيلة السرد الأساسية ومن وجهات نظر مختلفة للشخصيات وبتناوب يكمل كل منهما سرد الأحداث من وجهة نظره .

        أيضاً نلاحظ أن المخرج قد أكد على الاستخدام الواسع لحركات آلة التصوير والمزج ، ويمكننا ايضاً القول انه أكد على استخدام اللقطة الطويلة المركبة والتي احدث فيها كما من التنويعات في الأحجام داخل اللقطة المشهد ، وهذا في الواقع حقق نوعاً من الاستمرارية الزمكانية وتدفقاً فيزيائياً صورياً واضحاً للأحداث دون اللجوء إلى القطع أو وسائل المونتاج الأخرى مما يحقق نوعاً من الصدق الفني واكتمالية بناء الأحداث أمام المشاهد والذي يحقق نوعاً من الإقناع بتلقائية الأحداث المعروضة .

        ومثال على ما سبق الإشارة إليه من استخدام اللقطات الطويلة المركبة والمزج ، ففي فيلم ( أرحموني ) وبالذات في المشهد الذي نرى فيه بطلة الفيلم وهي تبحث عن العمل في شوارع البصرة حيث نراها تتجول من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت من الصباح إلى المساء ، عمد المخرج إلى هذا لاستخدام لهذا النوع من اللقطات للإيحاء بالاستمرارية في تدفق الحدث في المكان والزمان .

        آلة التصوير استخدمها المخرج في هذين الفلمين كأداة للتعليق على المادة المعروضة وهذا ما يحسب توجهاً نحو أساليب الانطباعية في حين أن الواقعية تؤكد على استخدام آلة التصوير لتصوير الأشياء الملموسة وبأقل قدر ممكن من التعليق ، هذا التداخل الذي حدث في هذين الفلمين في الاستخدام تقودنا للقول بعدم دراية المخرج بهذه المناهج لذا جاء هذا الاستخدام بطريقة غير منهجية .

        أيضاً نلاحظ استخدام المخرج ( حيدر العمر ) استخدامه الواسع لأحجام اللقطات العامة التي يتجسد بها المكان بتلقائية العفوية ومن خلال مستوياته البصرية الثلاث والتي ساهمت بشكل ما إلى خلق نوع من الحميمة بين المستوى البصري المتحقق للمشاهد والأحداث الدرامية التي تدور داخل هذا المستوى البصري ومثال ذلك مشهد ( زفة العرس – في فيلم فتنة وحسن ) ومشهد ( لقاء الملحن وصديقه والمطربة في فيلم أرحموني ) .

        أن هذا الاستخدام لحجم اللقطة والتداخل قادر حتماً الى بلورة وشائج من العلاقات المتصلة على المستوى ( المضمون – الدرامي ) وطبيعة الحدث التي تولد تلك الحميمية مع المشاهد والتي نجدها في الأعم الأغلب في الأفلام التي تنتهج منهجاً واقعياً كما هو الحال في أفلام المخرج ( حيدر العمر ) .

        إما الجوانب الأخرى لاستخدام مفردات لغة التعبير الفلمي فقد وظفها المخرج بطريقة لا تبتعد كثيراً عما اشرنا إليه وعلى سبيل المثال استخدامه لزوايا الكاميرا والتي كانت غالباً تقع ضمن الاحتمال الفيزيائي لرؤية الأشياء وهي خالية من الغرض السايكلوجي ، وكذلك نلاحظ اعتماد المخرج ( حيدر العمر ) على استخدام الإضاءة من ذات الموقع وكان التصوير بالضوء السائد ومحاولة محاكاة الضوء كما هو الواقع المعاشي .

وأخيراً وبشكل موجز يمكننا أن نلخص طريقة العمل لدى هذا المخرج وفق التصور الآتي :

  1. الاعتماد على اللقطات الطويلة المركبة .
  2. التأكيد على المضمون أكثر من اشتغال العناصر الشكلية .
  3. توظيف اله لتصوير وفق احتمالية فيزيائية بصرية .
  4. عدم الاعتماد على المونتاج بشكل واسع واستخدام طرائقه المعروفة .
  5. استخدام الضوء السائد .
  6. التصوير في الأماكن الواقعية وعدم اللجوء إلى استخدام الديكورات والتصوير داخل الاستديو الا بنسب بسيطة .
  7. استخدام تقنية ( الفلاش باك ) كوسيلة انتقال رئيسة لرد الأحداث .
  8. الانقياد في تحديد زوايا الكاميرا للاحتمالية الفيزيائية .

( نلتقي في القسم الثاني )
———————————————-
تتقدم وحدة الإعلام و المعلوماتية في كلية الفنون الجميلة بخالص تمنياتها بالشفاء العاجل
للإستاذ االدكتور رعد عبد الجبار و دوام الصحة و العافية

Comments are disabled.