ملامح التجربة السينمائية لجعفر علي

       بالرغم من تميز (جعفر علي) وتنوع منجزه الفني وسعة ثقافته في جوانب الحياة المتعددة إلا ان الباحث لم يتلمس في التنوع تراكماً كمياً يمكن ان يبلور ملامح اسلوبية في اعماله. فقد تأثرت اعماله الشعبية الكوميدية او التراجيدية بالاتجاهات الاخراجية الواقعية والتعبيرية والوثائقية سواءً في السينما او المسرح. إن القاسم المشترك الذي يمكن الحديث عنه والذي يجمع منجزه الفني في مختلف المجالات هو هويته الفنية الصادقة المعبرة عن قضايا وهموم مجتمعه بشكل خاص والانسان أينما كان بشكل عام والتي تستند الى مرجعية واعية ومدركة وافكار انسانية تقدمية متحررة، لذا نجد ان اعماله العديدة ذات المضامين السياسية والاجتماعية ترتبط بحياة الانسان وتعالج مشاكله الحياتية وما يعاينه من قمع واستغلال واضطهاد فكانت دعوة الى التحرر والكفاح ضد الاستعمار والامبريالية العالمية متأثراً بالفكر اليساري (لم يكن منتمياً) الذي يؤمن بالطبقة العاملة في نضالها  وصراعها ضد الاستغلال والتبعية، هذه الافكار تجسدت في اغلب اعماله السينمائية والمسرحية مثلاً (فيت روك) و(اين تقف) و(قصة حديقة الحيوان) و(الغريب) وغيرها، اما في مجال السينما رغم قصر التجربة لكن الملامح الفكرية كانت واضحة خاصة في فلم (المنعطف).  

أن الرؤية الفنية لدى (جعفر علي) تتبع وتستند الى فكرة الانساني وتجاربه الحياتية التي تشبع بها وتثقف عليها منذ شبابه حيث اصبحت الارضية التي من خلالها تحددت رؤيته للحياة التي انعكست في جميع معالجاته الفنية، فقد كان يؤمن بأن الفنان وطنه العالم كله وموضوعته الإنسان أينما كان.                                         

     ان تأثر (جعفر علي) باتجاه او منهج او اسلوب معين لا يلغي خصوصية رؤيته الفنية التي تشكلت عبر تمازج ثقافة عالمية ومحلية انعكست كفكر وممارسة في تعامله الفني منطلقاً من رؤية اكاديمية في طريقة تعامله سواءً كان مع النص او الممثل. فقد كان يحترم جداً مؤلف النص ويخصص معه جلسات للمناقشة وتبادل الآراء، وذلك من اجل توحيد الرؤية للافكار المطروحة بالنص بينه كمفسر ومجسد للنص وبين مؤلفه فتراه يحذف بعض المشاهد ويضيف اخرى للتشاور والاتفاق. كما كان يؤمن بقدرات الممثل في اغناء الدور وتعزيز رؤية المخرج فقد كان يطلق الحرية للمثل في اكتشاف الدور والتعرف على ابعاد الشخصية التي يمثلها ورسم المسار الخاص بها من خلال علاقتها مع الشخصيات الاخرى كما كان يترك الحرية للمثل في اختيار الحركة التي يرتاح لها الى ان يتم حفظ النص بشكل جيد، يبدأ العمل مع الممثل على صقل شخصيته وترشيق حركته وفق ما رسمه من رؤية اخراجية للدور.            

ان رؤية (جعفر علي) الفنية تتجسد في كل تفاصيل العمل الفني وذلك من خلال توضيحاته وارشاداته ومداخلاته والقيادة والتوجيه حتى في القاء الممثل وبناء الديكور وتصميم الاضاءة الى أدق تفاصيل العمل الاخرى وفي نفس الوقت كانت رؤياه الفنية مفتوحة على أراء ورؤى العاملين معه من خلال ما يمنحه من حرية وما يقيمه من جلسات للتشاور وتبادل الآراء فيأخذ منها ما يقع ضمن رؤيته ويغنيها ويقرب ما ابتعد منها الى رؤيته التي رسمها مسبقاً.                                                 

اضافة الى ما تقدم هناك خصوصية لدى (جعفر علي) أتسمت بتخطيطه المسبق ومثابرته واصراره وحرصه بالالتزام بقواعد العمل الفني واحترام التوقيتات في العمل والتي ساهمت في ارساء الكثير من قواعد العمل الاكاديمي لدى العاملين سواءً كانت في الفرق الاهلية التي عمل بها أم الطلبة الذين أشركهم.                            

 

عطائه السينمائي

في ظل واقع الانتاج السينمائي العراقي المتعثر والظروف السياسية والاقتصادية التي رافقته فأن الحصول على فرصة انتاج فلم سينمائي ليس بالامر السهل خصوصاً بعد تراجع القطاع الخاص وانحسار الانتاج بالدولة ومع ذلك فأن حصيلة عطاء (جعفر علي) في مجال السينما يبدو قليلاً قياساً الى عمره الفني ولكنه اوفر حظاً من الكثير من المخرجين الذين لم توفر لهم الفرص الكافية لبلورة تجاربهم لذا فأن ما قدمه للسينما هي اربعة افلام روائية وفلمين وثائقيين وبالرغم من محدودية التجربة فأن هذه الافلام قد شكلت مرحلة مهمة من تاريخ السينما العراقية بغض النظر عن الظروف الانتاجية التي احيطت بها والتي عبر عنها في احد لقاءاته التلفزيونية وتحديداً فقر التقنيات المتوفرة التي انعكست على الناتج النهائي للعمل وتأتي اعمال (جعفر علي) حسب تسلسلها التاريخي وعلى النحو الآتي:

1ـ الفلم الروائي (الجابي):

     سيناريو واخراج (جعفر علي) انتجته السينما والمسرح 1964 وهو اول افلامه الروائية وكان بالأبيض والأسود استطاع من خلاله ان يحاكي الحياة اليومية للإنسان العراقي من خلال حافلة نقل الركاب وما يحدث فيها من مفارقات.

الفلم الروائي (المنطعف):

 سيناريو (نجيب عربو) اخراج (جعفر علي) انتاج الشركة العامة للأنتاج السينمائي ـ بغداد.

الفلم معد عن قصة للكاتب (غالب طعمة فرمان) بعنوان خمس أصوات والتي تتحدث عن ظروف المجتمع العراقي ومناخاته السياسية خلال مرحلة الخمسينات في القرن الماضي ومعاناة ومكابدات المثقفين العراقيين وصراعاتهم العاطفية الحياتية والفكرية جسد الادوار الرئيسة في الفلم يوسف العاني وطعمة التميمي وسامي عبدالحميد وآخرون انتج الفلم عام 1972.

3ـ فلم سنوات العمر:

وهو الفلم الروائي الثالث انتج من قبل القطاع الخاص وكان منتجه داود الخزرجي وأدى ادوار هذا الفلم (عبدالوهاب الدايني، وسعدية الزيدي، وطعمة التميمي)، وموضوعة الفلم تتحدث عن الكفاءات العراقية في الخارج وقد صور الفلم في العراق والمانيا وبعد الانتهاء من التصوير حدث (ان المنتج اراد ان يستغل الموضوع في استيراد الافلام حتى بأخذ اجازة استيراد فاعطى لكل ممثل نصف الاجور، اما النصف الآخر سيدفع بعد تسجيل الصوت . وبعد حصوله على أجازة الاستيراد أخذ الفلم ولم يعد الى الممثلين مرة ثانية ولم يعرف مصير العمل الى اين انتهى

الروضة العسكرية:

 فلم وثائقي يصور مكان المرقد الشريف من الداخل والخارج في محاولة لتوثيق محتوياته وابراز معالم فن العمارة فيه والنقوش والخطوط الاسلامية وقد تميزت مشاهد الفلم بلقطاته التي صورت في زوايا تكشف عن جمالية المكان اضافة الى حركات الكاميرا الاستعراضية والتي استعرضت التفاصيل الدقيقة للنقوش الفنية والخط العربي بانسيابية ونعومة.

المرأة والعمل: فلم

فلم وثائقي عام 1975 تحدث عن المرأة العاملة ، أخرجه وكتب السيناريو (جعفر علي) لصالح منظمة اليونسكو ـ  اتحاد التسجيليين  العرب.

6ـ نرجس عروس كردستان:

    اول فلم روائي كردي من انتاج القطاع الخاص وسيناريو واخراج (جعفر علي) 1990 والمأخوذ عن حكاية من الفلكلور والتراث الكردي وقد تولى انتاجه مجموعة من الاكراد منهم دريا الجمسي ، المحامي نوري، مكي عبدالله وتم تصوير الفلم في شمال العراق في المناطق الجبلية “وكان (جعفر علي) مسؤولاً عنه حتى مرحلة الدوبلاج وبعد دخول العراق للكويت انفرط عقد الفلم وقام المنتج بدبلجة الفلم خارج العراق وبطريقة رديئة واستمر عرضه في دول اوربا ومن الممثلين الذين مثلوا فيه احمد سالار ، صفوة الجراح، بديعة كرداش،

7ـ فلم نفط الشمال 1978.

    اخراج: (جعفر علي) مساعد مخرج: (عادل النجار)، تصوير: خليل أدهم. وهو فلم وثائقي أنتج لصالح مؤسسة نفط الشمال.


Comments are disabled.