صدر حديثا للدكتور نجيب اصليوة حيدو، استاذ مادة فلسفة علم الجمال ومادة التصوير السينمائي والتلفزيوني في قسم الفنون السينمائية والتلفزيونية، كتاب (العلاقة الجدلية بين التقنية والابداع في الفيلم السينمائي)، يشكل هذا الكتاب مادة غنية بالمعلومات للباحثين والمهتمين والمخرجين كونه يسلط الضوء على العلاقة الوثيقة مابين التقنية بالإبداع الجمالي ضمن فضاء الفيلم السينمائي ،حيث يرى المؤلف في مقدمة كتابة ان السينما لم تنشأ كفن بل نشأت كآلة ذلك أن الصور المتحركة ( السينماتوغرافي ) وليدة آختراع . ومنذ بداية التصوير السينمائي ظل الإبهار الصوري هو الشغل الشاغل لهذا الفن وهو من أهم الوسائل التي تجذب المتفرج . وبدأت التقنيات والإختراعات تزداد بمرور الوقت إلى ما آلت إليه السينما في الوقت الحاضر من الإبتكارات التي تنصب كلها في خدمة التقدم الإبداعي السينمائي لتجسيد الفكرة .
إن علاقة التقنية بالإبداع الجمالي تطرح مشاكل مختلفة تماماً عن مشاكل التقنية في المجالات التطبيقية , فإذا كانت التقنية مطلوبة في تحسين المنتج الصناعي من رواجه وقبوله كسلعة تجارية أولاً , فإنها في الحيز الإبداعي تصبح عبئاً قد يؤثر في العلاقة بين المنجز الإبداعي ( منتوج فكري ) والمتلقي .
وبما إن السينما فن وقد أصبح مفهوم الفن معوماً إلى درجة أصبح فيها مقروناً بالإبداع وهو عمل إنساني بالدرجة الأولى , لأرتباطه بالوعي وهو نتيجة للذوق واللذة , مثل فن الطبخ , وفن الدبلوماسية , و إن الفن يرتبط بالجمال . فالتقنية في مجال الوسيط التعبيري السينمائي إنما هي تابعة للإبداع ومعبرة عنه وليست بديلاً , وإذا ماكانت وفرة التقنية على حساب الإبداع فإننا سننظر إلى منتوج آستهلاكي وليس إلى منجز يرتقي بالعقل والإدراك الحسي الجمالي .
إذن فالسينما نشأت أساساً كتقنية , وسرعان ما تلقف السينمائيون المبدعون هذه التقنية وآشتغلوا عليها في تطوير إمكاناتها في آبتداع لغة وسيط تعبيريٌ يفي بمتطلبات هذا الوسيط الجمالي لأنه ينتمي إلى الفنون الجميلة أساساً وعليه فإن تسأولات كثيرة تطرح في هذا المجال . هل هناك علاقة بين التقنيات الحديثة ( برامجيات الحاسوب ) والناتج الإبداعي في عملية الخلق والإبداع في الفلم السينمائي ؟ وما علاقة التقنية بالفن ؟ وكيف تسهم هذه التقنيات في تجسيد المتخيل من لدن صانع العمل (المبدع) ؟
وما الإشتراطات التي فرضتها التقنيات الحديثة على المبدع السينمائي ؟ وما الآفاق التي تخلقها التقنيات أمام فن الفلم اليوم ومستقبلاً ؟ لذا تكمن أهمية هذه الدراسة كونها تواكب مسيرة التطور التقني في مجال الفنون السمعية والبصرية وعلاقة التطورات بالناتج النهائي للمنجز الفني . فضلاً عما يقدمه من معرفة علمية وفنية للدارسين والمهتمين في مجال السينما والتلفزيون , وعن آليات إشتغال هذه التقنيات وتوظيفها في العملية الإبداعية . وعيه تهدف الدراسة إلى الكشف عن العلاقة بين التقنية والمنجز الإبداعي . والتعرف على الدور الوظيفي والتعبيري للتقنيات في الفلم الروائي . كذلك علاقة التقنية بتجسيد المعالجات السينمائية لتوضيح البناء الصوري لتجسيد الفكرة .
وعليه فإن التصور الذي نتطلع إليه يتضمن آستقراء تأريخي لمسيرة تطور التقنيات (عناصر الصورة) في مجالها السمعي البصري من تقنيات العرض وتطورها إلى السينما الرقمية , وتقنيات دخول الصوت في السينما وتطورها , واللون في السينما , والكاميرا المتعددة الإستعمال , والمادة الخام المصنوعةوالتطور إلى الأشرطة الحساسة ثم إلى الرقمي , ثم المؤثرات البصرية . كذلك الجوانب التقنية وجماليات الإبداع السينمائي , وهي علاقة التقنية بالإبداع من خلال ما أوجدته هذه التقنية في المجالات الواسعة أمام المبدع في تجسيد رؤياه الفنية وما أضافته من إمكانيات تعبيرية لعناصر لغة الفلم وذلك من خلال بناء المكان الإفتراضي , والبناء التشكيلي لبرامج الأبعاد الثلاثية كذلك خلق العوالم الإفتراضية في بناء الشخصيات من شخوص ومخلوقات ومن ثم تحريكها بواسطة البرامجيات المتطورة التي لم يكن لها وجود لولا هذه التقنيات , كذلك أشياء الحركة بواسطة التحكم في حركة الكاميرا بواسطة الكومبيوتر , ومعالجة الشكل وتقنيات الصوت الرقمي , ومن ثم أجهزة المونتاج الرقمي والنسق الفني التقني والإبداع في الفن السينمائي وعلاقتهما الثنائية في تطور الفن السينمائي . وأيضاً تتناول هذه الدراسة دور التقنية في المعالجات الإخراجية , إذ يتناول بالتحليل كيفيات توظيف تلك التقنيات في المعالجات الفنية سواء كان المخرج أو المصور أو المونتير , ودور هذه التقنيات في تجسيد المضامين والأفكار المطروحة في النص من خلال تجسيدها بالأفلام لهذه المعالجات ولمختلف المستويات .