المسرح العراقي الجديد
يلتقط حركة الواقع ويبقى منفتحاً
على التجريب
المسرح العراقي الجديد هو بالضرورة مسرح تجريبي يلتقط حركة الواقع ويبقى منفتحاً لكي يصل الى البنية الفنية الملائمة ، لهذا ظهرت بعض الفرق الخاصة التي من الممكن أن يكون لها أثراً في تركيبة المسرح العراقي إذ ماحظيت بالاهتمام والدعم ومن هذه الفرق ( مجموعة المختبر المسرحي ) قامت هذه المجموعة على هيئة إدارية معظم أفرادها من أساتذة الجامعة ولهم أعمال كبيرة في مجال المسرح العراقي والعربي ومن اجل ترسيخ القيم التربوية للمسرح العراقي الجديد ومن هنا تؤكد مجموعة المختبر المسرحي على اللغة المسرحية من أجل تمييزها عن اللغة الأدبية والابتعاد عن السقوط في التعليمية التي تعيد المسرح الى لغة البيان والفصاحة ومن أن تستوعب حركة الواقع العراقي أو ندفعه الى أن لايرى من هذه الحركية إلا مايتصل بحقل الصراع البشري، اعني الجانب السياسي المباشر التجريبي لهذه المجموعة .
أولاً- على مستوى اللغة المسرحية :-
حيث تبقى طاقة تتفجر باتجاه الحجوم وطريق الاستمرار لمسرح عراقي ذي أبعاد متصلة مع واقع اليوم وحساسية مسرحية فنية متقدمة وصولاً الى مفهوم حديث في المسرح ولا يتحقق ذلك إلا من خلال إعادة النظر جذريا في الموروث من دون إعادة النظر في مفهوم اللغة ومفهوم الكلام من دون فهم جديد للإنسان العراقي ككائن خلاق يرفض ، يختار ويغير تبعاً لذلك تعمل مجموعة المختبر المسرحي على أن لا تعيد اللغة المسرحية المتلقي الى نشوة البيان والفصاحة ، وإنما تجعل منها لغة جسد وحركة وتساؤل ، إن الكلمة تعيد المتلقي الى الفكرة والجسد يعيد المتلقي الى الروحانية وبهذا يخاطب المتلقي حسياً وحركياً من خلال حياة واقعية .
ثانياً – على مستوى التمثيــل :-
تعمل مجموعة المختبر المسرحي على وفق نظام الطاقم القائم على منظومة جسد الممثل لان الجسد ليس عضلات وعظام وجلدا وألياف فقط بل هو عبارة عن ترسانة كبيرة من الإيماءات والحركة اذا ما أحسن استخدامها وتدريبها أعطت نتائج هائلة من حيث إيصال الدلالي الى المتلقي ثم تأتي عناصر الخطاب البصري الأخرى وهي ساندة ومقوية لجسد الممثل ، حتى التمثيل ليس تصورياً بل هو تشخيص من جهة ومشاهدة جسدية لهذا التشخيص من جهة أخرى ، بمعنى آخر يقبل الجسد أن يعرض ذاته خلقاً وخُلقاً أمام جسد آخر يقبل أن ينظر إليه وفق درامية لاتمثل الفعل ولاتستعيده ولا تحاكيه ، وإنما تحياه وفق مبدأ التفكيك القائم على أساس الهدم والبناء الذي تكون فيه كل المراكز داخل منظومة الجسد مراكز غير مستقرة ، أي متغيرة متحولة متبدلة ، وليس هناك استقرار ثابت لمركز داخل منظومة الجسد أو داخل الخطاب البصري بشكل عام حتى المكان نفسه يتحول في البنية الدرامية الى شكل آخر للزمان أي يصبح امتداداً له من أجل أن تصبح منظومة الخطاب البصري قائمة على هدم وبناء في ( الآن ) و( ألهنا ) في الشكل والمضمون ( البنية المعمارية ) للتركيبة الداخلية للعرض المسرحي على وفق منهج يعتمد على القراءة واستجابتها المتعددة واللانهائية وفق لانهاية القراءة .
ثالثا- على مستوى الإخــراج :-
اعتمدت مجموعة المختبر المسرحي لغة قابلة للتحليل والتأويل كغيرها من اللغات تقوم أساساً على علم العلامات من أجل التوصل والإقناع من خلال نوع من أنواع الاتصال بين خطاب العرض المتمثل بالمرسل والمتلقي يعتمد على خزين من العلامات والشفرات البصرية ، يقوم على العناصر البصرية مجتمعة حيث تتفاعل العناصر إخراجياً مع بعضها لبناء معمارية الخطاب البصري كلياً ، من خلال مفهوم شامل للممارسات الإخراجية التي لايمكن تحقيقها إلا من خلال الفضاء الذي يمتلئ بالصور البصرية والأصوات المتداخلة بعضها مع بعض من خلال حركة مكان فيزيقي ينتظر ملموس منا أن نملأه ونجعله يتحدث لغة ملموسة من خلال تغذية الفضاء وتأثيثه حتى يصبح ناطقاً بالآف العلامات والوسائل والشفرات المليئة بالرموز أي توصل الى لغة فيزيقية جديدة نابعة من العناصر المسرحية التي تعوض لغة الكلمة الصادرة عن النص كما في مسرحية ( علامة استفهام ) حيث جعل المخرج الممثل يشق الفضاء المسرحي متدفقاً من خلال الحركة .
وان الفضاء المسرحي ممتلئ بعلب المشروبات الغازية والحناجر الصارخة والألحان الموسيقية الغريبة والغاز القادم من كل مكان إذ أعطى إيحاء من خلال الحركة بان الممثل قد انقسم على نفسه بعض منه في النور وبعض منه في الظلام مع وجود عشرات الأصوات المتداخلة والتعبيرات المرسومة من حركة الضوء على جسد الممثل حيث مثلت صورة مركبة للاوعي .
اعتمد العرض على الحركة الراقصة والتشكيل والإشارات والأناشيد والهياكل الهندسية مع خطوط المنظومة الضوئية الناطقة بدلالات لونية متعددة نابعة من تأويل المعنى للعرض المسرحي وقد تم توظيف كل وسيلة من الوسائل أما في ذاتها أو في تجانسها مع الوسائل الأخرى لتحيلنا الى أفكار لا الى كلمات كما هو الحال في المسرح التقليدي ، بل كانت كل عناصر الخطاب البصري تبحث عن تحقيق ابداعي تجريبي مبتكر والابتعاد عن الافكار الجاهزة والبحث بشكل مستمر عن الابداع الذي لايشيخ وعن الاصالة من خلال العرفة الكبيرة لواقع المجتمع العراقي . وقد قدم العمل المعاناة اليومية للشعب العراقي من خلال ادرامية لانتأسى على الممثل او المشاهد او الحدث ، بل نتأسى على الممثل والمشاهد في بؤرة الحدث ومداره .