العيادة المسرحية وبناء الذات
د.جبار خماط حسن
كلية الفنون الجميلة
قسم الفنون المسرحية

تعددت مناهج الفن المسرحي ، بقصد الوصول إلى التأثير والتفاعل مع الجمهور، الذي ينتظر عنصر الدهشة اساساً التفاعل وديمومة تواصله مع العرض المسرح، منهم الطريق الإيهامي واللايهامي، ومنهم إتخذ تفعيلا تجريبا في معالجة الموضوعات الراهنة، كل هذه المعالجات تقدم المنتوج المسرحي الجاهز، وما على المتلقي سوى استقبال ذلك المنتوج بالقبول أو الرفض بحسب جودة المنتوج جمالياً وبنائياً، هذه العلاقة البندولية، غير المستقرة، مع حاجات الجمهور الفكرية والنفسية والاجتماعية، كان وراء التفكير في منهج بديل ، يتبنى مسرحيا عياديا ، يصنعه الناس البسطاء في كل مكان. إذ تغيرت العلاقة من مسرح نخبوي جاهز يأتيه الجمهور  إلى مسرح يذهب إلى الناس ، يصنعوه بأدوات التلقائية والبساطة ؛ لأنهم أبناء الهنا والان ، لا تعقيد في العرض المسرحي ولا تسطيح ، بل أمر بين أمرين ، مسرح حميمي ، يقدمه ممثل نظير ،  حميمي يتفاعل مع الجمهور على نحو تلقائي ويسير وعميق .ولهذا أنطلقت العيادة المسرحية ، من استبصار التاريخ المسرحي بتجاربه المسرحية ، التي كانت تميل إلى تنقية المكونات النفسية والاجتماعية الجمهور ، من خلال ما يشعر أو تمر به الشخصيات المسرحية ، وبالتالي اصبحت العلاقة افقية ما بين مرسل/ الممثل ومستقبل/ المتلقي ، من دون إعادة تكوين أو تدوير تلك العلاقة النمطية  ما بين العرض والجمهور .

تسعى العيادة  المسرحية إلى ، تدوير المتراكم المسرحي من مهارات الناس الذين لا يعرفون المسرح ولم بتواصلوا مع عرض مسرحي! ، تذهب العيادة الى الناس وتعيد بناء ذواتهم من جديد ، بوساطة ابتكار المستقبل ، الذي يؤدي بالمشارك في العيادة المسرحية ، إلى بناء الثقة لدى الناس واكتشاف قدراتهم الذاتية الإبداعية ، كانت غائبة عنه ،تاتي العيادة لاكتشاف وتطوير تلك القدرات في عرض مسرحي يقدمه المشاركون في العيادة الذي يشترط فيهم ان يكونوا غير محترفين أو هواة .

ولهذا تهدف العيادة إلى التخفيف من آلام الناس واحباطاتهم ، بسبب الظروف الصعبة والحروب التي تركت في نفوسهم  جفافا في التواصل مع الاخر وفقدان اتجاه بوصلة وجودهم مع المستقبل ، ولهذا يمكن عد العيادة المسرحية ، منهج ادائي يرمم المشكلات ويعالجها بالتمثيل المسرحي ، الذي يمتلك القدرة على الإتيان بالمستقبل بوساطة الابتكار  الذي نشترك فيه جميعنا بنسب متفاوتة ، الأمر الذي يسمح بتطوير قدرات المشاركين الذهنية مثل التخيل والتركيز والاسترخاء ، والقدرات الصوتية والجسمانية ، التي يمر بها المشارك، شرط ان تكون فاعلة وقادرة على الإمساك به داخل الجرعة التدريبية ، ولهذا تميل العيادة إلى تقديم وجبة التمارين التي تعتمد اللعب والتلقائية  ، سبيلا للتواصل والتأثير بالمشاركين  .

ولان  العيادة  تدعو الى معالجة هموم الإنسان البسطاء ومشاكل المجتمع الذي يعاني  هيمنة الحروب وأثرها في هزات البنية المجتمعية والقيمية ، نجد ان  الهيئة العربية للمسرح   أولت اهتمالا ملحوظا وتواصلت  مع العيادة ، و نثمن سعيها الكريم  لمشاركة العيادة  المسرحية في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي.  وجاءت الدعوة الكريمة من مهرجان القاهرة ، للمشاركة في فعالياته المميزة ، ضمن مجال الورش المسرحية ، إذ قدمت ورشة العيادة المسرحية في قاعة صلاح عبد الصبور ، ضمن مسرح الطليعة ، التي تفاعل معها المشاركين بزخم عال.

تفاعل المشاركون مع أهداف العيادة وتمارينها اليومية ، إذ توزعت العيادة عبر ثلاثة أيام من عمر المهرجان ، وما ميز اللقاء استدامة العيادة في مشاريع مستقبلية ، إذ توزع المشاركون على خمس مجموعات ، لكل منها موضوع حيوي في الحياة المصرية.
وتعتمد العيادة المسرحية العلاج بالمستقبل ، وحسب علمي فان أغلب الطرق العلاجية، التي تأخذ من المسرح طريقا للعلاج ، تعتمد العودة إلى ماضي الحالة المرضية ، التي تقوم عليها السايكودراما  التي أطلقها الطبيب النمساوي( ( جاكوب مورينو )) سنة 1921، والتي يقوم باستعادة خبرة المريض السابقة ، بقصد حلها ، وبوجود ممثلين محترفين ، لكن وجد (( مورينو )) من خلال الملاحظة؛ أن حالة المريض لم تتحسن ، بل تتفاقم بسبب استعادة العقدة من دون حلها ، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز الحالة المرضية لديهم..

في رايي ان المسرح بشكل عام ، طاقة علاجية فكرية وشعورية ،تتفاوت درجاتها حسب المعالجة المسرحية التي يعتمدها المخرج المسرحي  ، وبالتالي  حين تاملت تلك الطريقة ، وجدت أن صناعة الثقة مفقودة لدى المشاركين ، وغياب المستقبل لديهم والذي يحقق طاقة إيجابية ، وهنا جاءت العيادة كمنهج  مسرحي ، يتواصل ويتفاعل مع الناس في كل مكان ، بهدف تعزيز مهاراتهم الاولية ، وإنتاج سلوكيات جديدة لديهم قابلة للاندماج والعودة مرة أخرى إلى الحاضنة الاجتماعية، مثلما حصل لدى السجناء والمدمنين ومصابي السلاح الكيمياوي الذين تواصلت معهم العيادة المسرحية ، في مشاريع مسرحية ، اثنى عليها أغلب المتابعين للشأن المسرحي.

للعيادة  ثلاثة أسس :

– الأول علاجي ، يفترض تحويل السلبي إلى إيجابي / الأساس الثاني هو المهارة ؛ تعلم مهارات الأداء التمثيلي ؛ الذي يتسم بالبساطة والتلقائية / الأساس الثالث تواصلي ؛ إيجاد بيئة تواصلية ما بين مجموعة العيادة المسرحية، من ممثلين يقدمون شخصيات من تيار الحياة..

وهنا تتحقق فرضية المسرح البديل الذي يصنعه الناس البسطاء أو المنسيين في كل مكان بعيدا عن المسارح التقليدية ذات الطابع الرسمي . ولهذا أجد في العيادة المسرحية تأصيلا علميا وفنياً، يتمثل في إنتاج بيئة ثقافية جديدة ، يصنعها المسرح في عيادته ، من خلال مشاركين  يصنعون حياة مبتكرة ، من خلال إعادة بناء واقعهم السلبي، وانتاج نسق حياتي جديد يؤمنون به ، بالتالي هذا التحول هو تأصيل علمي وعلاجي ، لا يعتمد الطرق العلاجية التقليدية ، من أرسطو ومرورا ب (( ديدرو))

وانتهاءا بجاكوب مورينو ، الذي أطلق مصطلح السايكودراما ، لعلاج المرضى في المصحات النفسية  .

لقد مرت العيادة المسرحية ، بثلاثة مشاريع ، الأول كان في سجن الأحداث ، تعاملت مع فرضية حل مشكلات السجناء الأحداث وكيفية معالجتها وتحويلهم من السلبي إلى الإيجابي؛  التي تعيد خارطة طريق حياتهم نحو الاندماج الاجتماعي  ، التي يفقده أغلب السجناء ؛ وإذ تواصلت معهم العيادة ، تغيرت أمزجتهم وافكارهم ، لأنهم دخلوا بيئة الإبداع، واكتشفوا قدرات ادائية جديدة ، كانت مفقودة لديهم. والغريب أن مساحة الارتجال لديهم واسعة ، واقتراحات الشخصيات التي قاموا بتمثيلها كلها إيجابية؛ لأنهم يشعر ون ان هذه الشخصيات التي قاموا بتمثيلها هي بديل موضوعي ، يعوض اضطراب شخصياتهم والظروف المحيطة بها ، والتي دفعتهم للجريمة ، لقد وجدوا ذاتهم الضائعة داخل العيادة .

ومثل ما حصل في سجن الأحداث ، حدث مع متعاطي الكحول والمخدرات ، هؤلاء المدمنين دخلوا العيادة المسرحية ، تدربوا على مهارات مسرحية ، وتدريبات صوتية وجسمانية مكثفة ، واتخذوا طريق التحدي ، بقصد التخلص من الإدمان ، لقد مثلوا شخصيات إيجابية. بالتكرار اليومي داخل العيادة المسرحية ، تحولت إلى مخزن الذاكرة طويلة الأمد ، وهذا يعني إيمانهم بسلوك جديد ، يعتمد بنية قيمية تتقاطع مع الإدمان الكحولي والدوائي، الأمر الذي دفعهم إلى ترك الإدمان وسط دهشة الأطباء في مستشفى ابن رشد التدريبي للطب النفسي ، والذي كان مكان تقديم العرض المسرحي “يوميات مواطن منسي” تأليف وتمثيل مجموعة من المدمنين .

اما التجربة الثالثة ، فكانت مع مصابي السلاح الكيمياوي ، هؤلاء الذين يشعروا بالعزلة والاحباط وصعوبات في التنفس ، دخلوا العيادة ، تدربوا  وابدعوا نصا مسرحيا ، مثلوه باتقان في قاعة مديرية صحة حلبجة ، ومن لا يعرف حلبجة ، هي مدينة تعرضت للقصف الكيماوي أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

يمكن القول أن  “العيادة المسرحية” منهج علاجي وإصلاحي يعتمد المسرح سبيلا للوصول إلى بناء الذات ونقلها من السلبي إلى الايجابي فكرا وسلوكا، اذ تجد فن  المسرح رؤية للمستقبل وليس فكرا مقيدا بالماضي، كما يؤمن بمبدأ الشراكة بين الممثل والجمهور، ولهذا جاء مشروع العيادة المسرحية للتخفيف من الالام الناس وإحباطاتهم، بسبب الظروف الصعبة والحروب التي تركت في نفوسهم، جفافا في التواصل مع الأخر وفقدان اتجاه بوصلة وجودهم مع المستقبل، ولهذا يمكن عد العيادة المسرحية، منهج أدائي يرمم المشكلات ويعالجها بالتمثيل المسرحي، الذي يمتلك القدرة، على الإتيان بالمستقبل بوساطة الابتكار الذي تشترك فيه جميعنا بنسب متفاوتة، الأمر الذي يسمح بتطوير قدراتهم الذهنية مثل التخيل والتركيز والاسترخاء، والقدرات الصوتية والجسمانية، التي يمر بها المشارك، شرط أن تكون فاعلة وقادرة على الإمساك به داخل الجرعة التدريبية، ولهذاشرط أن تكون فاعلة وقادرة على الإمساك به داخل الجرعة التدريبية، ولهذا تميل العيادة إلى تقديم وجبة التمارين التي تعتمد اللعب والتلقائية، سبيلا للتواصل والتأثير بالمشاركين.
تعتمد العيادة المسرحية العلاج بالمستقبل، وحسب علمي فان أغلب الطرق العلاجية، التي تأخذ من المسرح طريقا للعلاج، تعتمد العودة إلى ماضي الحالة المرضية، التي تقوم عليها السيكودراما  التي أطلقها الطبيب النمساوي جاكوب مورينو سنة 1921، والذي يقوم باستعادة خبرة المريض السابقة، بقصد حلها، وبوجود ممثلين محترفين، لكن وجد مورينو، من خلال الملاحظة، أن حالة المريض لم تتحسن، بل تتفاقم بسبب استعادة العقدة من دون حلها، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز الحالة المرضية لديهم، برأيي أن المسرح بشكل عام، طاقة علاجية فكرية وشعورية، تتفاوت درجاتها حسب المعالجة المسرحية التي يعتمدها المخرج المسرحي، فحين تأملت تلك الطريقة، وجدت أن صناعة الثقة مفقودة لدى المشاركين، وغياب المستقبل لديهم والذي يحقق طاقة إيجابية، وهنا جاءت العيادة منهج مسرحي، يتواصل  يتفاعل مع الناس في كل مكان، بهدف تعزيز مهاراتهم الأولية، وإنتاج سلوكيات جديدة لديهم قابلة للاندماج والعودة مرة أخرى إلى الحاضنة الاجتماعية، مثلما حصل لدى السجناء والمدمنين ومصابي السلاح الكيماوي الذي تواصلت معهم العيادة المسرحية، في مشاريع مسرحية، أثنى عليها أغلب المتابعين للشأن اللعلاجي بالمسرح ، أذ نجد  العيادة المسرحية تأصيلا علميا وفنياً، يتمثل في إنتاج بيئة ثقافية جديدة، يصنعها المسرحي في عيادته، من خلال مشاركين يصنعون حياة مبتكرة، ومن خلال إعادة بناء واقعهم السلبي، وإنتاج نسق حياتي جديد يؤمنون به، بالتالي هذا التحول هو تأصيل علمي وعلاجي، لا يعتمد الطرق العلاجية التقليدية، من أرسطو مرورا بديدرووانتهاءا بجاكوب مورينو، الذي أطلق مصطلح السيكودراما ، لعلاج المرضى في المصحات النفسية  .

أنتجت العيادة المسرحية، ثلاثة مشاريع، أولها  كان في سجن الأحداث، تعاملت مع فرضية حل مشكلات السجناء الأحداث وكيفية معالجتها وتحويلهم من السلبي إلى الإيجابي، التي تعيد رسم  خارطة طريق حياتهم نحو الاندماج الاجتماعي، التي يفقده أغلب السجناء، وإذ تواصلت معهم العيادة، من أجل تغير مزاجهم وأفكارهم، لأنهم دخلوا بيئة الإبداع، واكتشفوا قدرات أدائية جديدة، كانت مفقودة لديهم، والغريب أن مساحة الارتجال لديهم واسعة، واقتراحات الشخصيات التي قاموا بتمثيلها كلها إيجابية، لأنه يشعر أن هذه الشخصيات التي قام بتمثيلها هي بديل موضوعي ، يعوض اضطراب شخصياتهم والظروف المحيطة بها، والتي دفعتهم للجريمة، لقد وجدوا ذاتهم الضائعة داخل العيادة المسرحية. المشروع الثاني كان مع مدمني الكحول والمخدرات، هؤلاء المدمنين دخلوا العيادة المسرحية، تدربوا على مهارات مسرحية، وتدريبات صوتية وجسمانية مكثفة، واتخذوا طريق التحدي، بقصد التخلص من الإدمان، لقد مثلوا شخصيات إيجابية، بالتكرار اليومي داخل العيادة المسرحية، تحولت إلى مخزن الذاكرة طويلة الأمد، وهذا يعني إيمانهم بسلوك جديد، يعتمد بنية قيمية تتقاطع مع الإدمان الكحولي والدوائي، الأمر الذي دفعهم إلى ترك الإدمان وسط دهشة الأطباء في مستشفى ابن رشد التدريبي للطب النفسي، قدموا عرضا مسرحيا بعنوان “يوميات مواطن منسي” تأليف وتمثيل مجموعة من المدمنين، ثالث مشاريع العيادة، كان مع مصابي السلاح الكيمياوي، هؤلاء الذين يشعروا بالعزلة والإحباط وصعوبات في التنفس، دخلوا العيادة، تدربوا وأبدعوا نصا مسرحيا بعنوان “أنا موجود”  مثلوه بإتقان في قاعة مديرية صحة حلبجة، ومن لا يعرف حلبجة فهي مدينة تعرضت للقصف الكيماوي أثناء الحرب العراقية

ينبغي أن نتساءل هنا حول علاقة التنمية البشرية في المسرح؟ هل هي ضرورة أم اختيار؟ كيف يمكن تداولها مسرحيا؟ ينبغي القول أن التنمية البشرية هي أن يعرف الناس أنهم يمتلكون القدرة على صناعة الحياة يمتلكون القدرة على صناعة مستقبل أفضل يمتلكون القدرة على إيجاد مقاربات في فهم الأخر وفِي فهم الوجود، وحتى في فهم البيئة المحيطة، التنمية البشرية مصطلح لصناعة ذات ناجحة تستطيع أن تعرف قدراتها الإبداعية تتخذ قرارا وتصنعه بشكل إيجابي وتؤثر في الأخر ضمن قدراتها التي تدخل في بناء الشخصية وتمتلك الروح الإيجابية التي تصنع وتؤثر وتحقق الضمانية لمستقبل يفيد ويتحرك ضمن إيقاع المجموع.فالهدف من التنمية البشرية  هو بناء الذات والقدرات وصولا إلى التركيب المجتمعي بشكل عام، ولا يمكن بناء القدرات في بيئة قلقة أو متوترة أو تغيب عنها البيئة القانونية والمجتمعية المستقرة، وبما يتعلق في المسرح من حيث التكوين والرؤيا من المهم تعزيز بناء الثقة للقدرات الخاصة للتنمية البشرية وعلاقتها بالمسرح من حيث الفكر والإنتاج .. كل الفعاليات المتعلقة في إنتاج العرض أو النشاطات أو عناصر العرض ممثل، منظر، سنوغرافيا، صراع بالنسبة للطاقة الفاعلة للعرض أو النص كلها ضرورية ومهمة في تطوير القدرات المتعلقة بصانعيها، إذ لا يمكن أن تتحقق التنمية البشرية في المسرح بدون متلقي يمتلك القدرة على التواصل الواعي مع العروض المسرحية، علاقة متوازنة ما بين عرض مسرحي فاعل وملتقي له القدرة على التعرف على العروض الجيدة التي تؤثر في حركة المجتمع وتحقق علاقة عضوية بما يخدم الشعوب بشكل عام.

Comments are disabled.