مناقشة اطروحة الدكتوراه الموسومة (المرجعيات الاجتماعية لمدرسة بغداد للتصوير العربي الاسلاميدراسة مورفولوجية) للباحث (حسن هادي حسن) من قسم الفنون التشكيلية وبأشراف (أ.د. محمد الكناني)
يُعنى الباحث بدراسة (المرجعيات الاجتماعية لمدرسة بغداد للتصوير العربي الاسلامي – دراسة مورفولوجية) ، ويتكون من أربعة فصول ، خصص الفصل الأول لبيان مشكلة البحث وأهميته ، والحاجة إليه ، وهدفه ، وحدوده الزمانية ، والمكانية ، والموضوعية فضلاً عن تحديد المصطلحات الواردة فيه .
بدءاً تناولت مشكلة البحث ضمن هذا الفصل موضوع المرجعيات الاجتماعية لمدرسة بغداد للتصوير العربي الاسلامي – دراسة مورفولوجية والتي تحددت بالأسئلة الآتية :
– ما مدى التأثير للأسس الضاغطة ، والمتمثلة بالأبعاد ، والمرجعيات الاجتماعية على منجزات الفنان العربي المسلم في مدرسة بغداد .
– هل حجمت تلك الضواغط ميكانزمات الرؤى الاسلوبية والتعبيرية لمصورات الفنان العربي المسلم في مدرسة بغداد وجعلتها تدور ضمن فلكها من دون ان تتجاوزها الى انواع اخرى .
– طبيعة المعطيات الشكلية المورفولوجية للمصورات المنتجة ضمن مدرسة بغداد للتصوير العربي الاسلامي التي جاءت متأثرة بمرجعياتها الاجتماعية تلك .
ثم تلى المشكلة بيان الأهمية الموضوعية والعملية للبحث التي تكمن ضمن حقول الدراسات النقدية بتسليط الأضواء على المرجعيات الاجتماعية وكيفية اسهامها في تدعيم المعطى الفني للتشكيل البصري لمدرسة بغداد للتصوير العربي الإسلامي ضمن الحقل المورفولوجي . وما تمثله هذه الدراسة من ابراز للطابع السيسيولوجي المُدَعّم مظهرياً ضمن الرؤية المورفولوجية التي صيغت على يد الفنان المسلم في مدرسة بغداد للتصوير ، ليكون بمثابة رؤية جديدة تواكب معطيات الدراسات المورفولوجية التي مثلت وتمثل محوراً مهماً من محاور النقد الفني ضمن حقل الدراسات الاسلامية ، والذي سيعود بالفائدة على الباحثين والمتخصصين في هذا المجال ، وقد اتجه هدفي البحث الى :ـ
– تطبيق المفهوم المورفولوجي للكشف عن المرجعيات الاجتماعية في مصورات مدرسة بغداد للتصوير العربي الإسلامي .
– بيان اثر التناسب بين الحدود الشكلية المورفولوجية للمصورات المنفذة والمحكومة بالضواغط الشرعية الاسلامية وبين المرجع الاجتماعي لرسوم مدرسة بغداد للتصوير العربي الإسلامي .
أما حدوده فقد جاءت لتشير الى دراسة مورفولوجية للمرجعيات الاجتماعية لرسوم مدرسة بغداد للتصوير ، والتي شملت حواضر العراق التي ظهرت فيها اعمال الفنانين المصورين ، ضمن الفترة الزمنية الممتدة من سنة (595هـ /1199م) ولغاية (707هـ / 1308م) .
ثم بعد ذلك تم تحديد أهم المصطلحات والتعريفات التي تمثلت بـ ( المرجعية ، التصوير المورفولوجيا ) .
اما الفصل الثاني الذي تألف من قسمين هما الإطار النظري ، والدراسات السابقة ، وقد تألف الإطار النظري من أربعة مباحث ، خصص المبحث الاول لدراسة وافية عن المفهوم المورفولوجي بدءاً بمقدمة عن نظرية الشكل ثم عن جدلية الشكل والمضمون ، وتم الاطلاع على تفصيلات الاتجاهات ذات المنحى المورفولوجي في ادراك الفن وهي (الشكلانية ، والجشطالت ، والظاهراتية ، والرمزية) وقد خصص جانباً آخر من هذا المبحث لدراسة مرجعيات التنظيم للمفهوم المورفولوجي في الحقل البصري ، بعدها جاء المبحث الثاني ليتناول في البداية دراسة مقتضبة عن جدلية الفكر والواقع ، ثم التطرق الى مسالة المرجع في الفن ، وبعدها دراسة وافية عن المرجعيات بنوعيها الداخلي والذي تكون من (المرجع الطبيعي ، والمرجع الثقافي ، والمرجع الاجتماعي) والخارجي في تحولاته الشكلية من (محاكاة ، وتخييل ، واستعارة ، وتحوير واختزال) ، وفي المحور الأخير من هذا المبحث كانت هناك التفاتة الى اشكالية البعد المرجعي الاجتماعي لمصورات مدرسة بغداد ، اما المبحث الثالث فقد شمل في محوره الاول المرجعيات المؤسسة للخطاب البصري في مدرسة بغداد للتصوير والتي تألفت من مدن (حران ، والحضر ، والحيرة ، وسامراء) ، أما المحور الثاني فقد سلط فيه الضوء على استلهام اساليب المدرسة العراقية في التصوير ، وثم في المحور الثالث تم التطرق الى التصوير الاسلامي ومرجعياته بين الكراهية والنهي والتحريم) ، ، وخصص المبحث الرابع لدراسة السمات والخصائص الفنية لمدرسة بغداد ، ومن ثم تسميات هذه المدرسة ومناقشتها ، واخيراً عرض تفصيلي للمخطوطات المزوقة بالتصاوير من تلك المدرسة ضمن الحدود الزمانية للبحث ، واخيراً انتهى الإطار النظري بجملة من المؤشرات على ما جاءت به المباحث فضلاً عن استعراض الدراسات السابقة ومناقشتها .
فيما اختص الفصل الثالث بإجراءات البحث الذي تضمن مجتمع البحث المتكون من (880) مصورة ، وتم اختيار (14) منها اختياراً قصدياً مثلت عينة البحث ، وقد تم تحليلها على وفق المنهج الوصفي التحليلي .
أما الفصل الرابع فقد تضمن نتائج البحث ، والاستنتاجات ، والتوصيات ، والمقترحات، ومن جملة النتائج التي توصلت إليها الدراسة :
1) بانت من الخصائص المورفولوجية الواضحة هو اعتماد الفنان مظاهر التسطيح بالتخلي عن مباديء المنظور الخطي بطابعه العلمي للإيهام بوجود بعد ثالث على سطح الصورة او المنمنمة ، والاكتفاء بالمنظور الروحي الذي استلب خواص العمق منها ، فاضحت النماذج بكليتها بمستوى واحد بالنسبة لعين الناظر وذات بعدين فقط .
2) الاشكال المورفولوجية للشخوص المُمَثَلة والداخلة ضمن المشاهد المنتقاة لموضوعات المنمنمات لا تنتمي في الواقع الى عالم الوجود ، بوصفها مستلبة من كل خواص المشابهة مع نماذجها الاصلية ، فهي بالنتيجة لا تشبه شخصية بعينها انما جاءت في النماذج كلها كمشخصات رمزية واكبت واوضحت الحدث القصصي المصور .
3) على الرغم من استلاب الخواص المورفولوجية الواقعية للشخوص المصورة ، الا انها بقيت على تعالقاتها مع عالم الوجود بإكسابها الخواص التعبيرية من حركات وايماءات الايدي والعيون الناطقة والمعبرة لتمكين ايصال وقراءة نماذجها المصورة ذات المرجعيات الاجتماعية الخاصة بالبيئة الثقافية الحاضنة للفنان .
4) اسهمت بعض المعالجات الاسلوبية المتبعة في اضفاء طابع الايهام بوجود العمق على السطح التصويري ، ومن هذه المعالجات هو مبدأ التراكب الذي تغطي فيه الاجزاء او الاجسام القريبة من الناظر او المُشاهد البعيدة منها ، وايضاً التلاعب بتقريب وتبعيد الاجسام عن الحافات العلوية والسفلية من سطح المنمنمة فتصبح القريبة من الحافة السفلية هي الاقرب للنظر ، والابعد منها تحادد الحافة العلوية .
5) التأكيد على انتماء الشخصيات المصورة الى المجتمع العربي من خلال السحن التي علت الوجوه والتي ابرزت الطابع القومي بملامحه المميزة من الذقون المشعرة والانوف القنى ، أما اشكال النساء فقد جاءت مشابهة للصبية والتي تعود باصولها الى اشكال ورسوم مدينة سامراء ، والتي اكدت طابعها الاسلامي المحلي .
أما أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة فهي :
1. حفزت المعطيات المرجعية للبيئة المجتمعية المسلمة ميكانزمات انتاج وتركيب الصور الذهنية المتحايثه مع انساقها البنائية ، ومن ثم تجريدها وتحويرها لقطع صلاتها بالوجود المادي العياني تبعاً للواعز العقائدي المهيمن على فكر ووجدان الفنان المسلم .
2. تتكئ الكيفيات البنائية في بلورة قيمها الجمالية ضمن منجزات الفن البصري على توليد وانشاء معطياتها الى مراجع خارجية واخرى داخلية تغني ومن خلال محفزاتها الحسية والمفاهيمية منطلقات التجربة الذاتية للفنان ، لتؤسس حضور صوره المبتكرة بنوعيها الحسي والحدسي .
3. تشتمل البنى السيسيولوجية على مجموعة من الروابط والتعالقات الجمعية ذات الاواصر المتينة التي بدورها تقود الى تعميق مستوى الادراك باي ابداع فردي ضمن الجماعة ، فالفن ليس صورة عاكسة لحيثيات الفنان وميوله واحاسيسه فحسب ، انما هو في الوقت نفسه معطى اصيل من معطيات المجتمع او البيئة الحاضنة التي ولد منها ، فكل ما يرتبط بالفنان وسلوكياته غير مستقل عما هو موجود عند افراد مجتمعه .
4. استمدت البنى التركيبية لمصورات مدرسة بغداد معطياتها البنائية الاصيلة من مجمل النتاجات الحضارية التي اولدتها بلاد وادي الرافدين منذ فجر الحضارات الاولى مع بروز اشكال التخطيطات المجردة على سطوح الفخاريات ، وما تلاها من تعددية الانتاج ضمن المراكز الحضارية الاخرى التي ظهرت تباعاً على هذه الارض ، وصولاً الى فنون وطرز مدينة سامراء .