في ظل العصر الذي نعيشهُ والذي تزايدت فيه المعرفة بشكلٍ كبير, والذي أدى بدورهِ إلى ثورة في المعلومات الهائلة ونشوء عصر التكنولوجيا المتطور المتلاحق, برزت هنالك جملة من التغيرات والتحديات قد فرضت نفسها بشكلٍ أو بآخر على شتى المجالات الحياتية المعاصرة, ولما كان الإتصال هو أحد أهم أوجه وسمات تلك المجالات الحياتية وأبرز الأنشطة الإنسانية الموجهه لسلوكات وإتجاهات الكثير من الأفراد والمجتمعات لاسيما بعد تلك التطورات العلمية التي أوجدت “علم الإتصال” المعاصر بكل مايحمله من عناصر “سلبية وأُخرى إيجابية”’ سواء أكانت بشكلٍ لفظي أم غير لفظي يُترجم حقيقةَ الوجود الكينوني المتعصرن مع حضارة مجتمع من المجتمعات, أو مؤسسة من المؤسسات الأكاديمية منها أوحتى التربوية والتعليمية, وتوجيه روائز العملية الإتصالية بكل عناصرها ومكوناتها وشروطها وأنواعها ووظائفها, نحو كفايات تُسهم في تعديل السلوكات والتفاهمات وحل المشكلات والتعامل مع الأزمات لتستقيم العلاقة الإيجابية بين البشر.
وقد أدتْ تلك الرؤية إلى ولادة مشكلة البحث الحالي والتي أنطلقت أصلاً من خلال دراسة إستطلاعية أجراها الباحث هدفَت إلى الوقوف على معالجة المشكلات التدريسية الحاصلة في المدارس الثانوية لتربية محافظة بغداد, ومدى معرفة مدرس مادة التربية الفنية لعناصر الإتصال التعليمي لتحديد الكيفية التي يتصل بها مع طلبته, بوصفها – خبرات داخلية- تمثل أنماط التعلم المفضلة لديهم, فضلاً عن معرفتهم للمهارات وإمتلاكهم للقُدرات التي تمثل كفايات ومجالات تُدَّرس بوساطتها مواد الفن والتربية الفنية, ومن خلال الدراسة الإستطلاعية تلمس الباحث حاجة إلى البحث في الكيفيات والطرائق التي تُدرَّس بها مواد التربية الفنية, الأمر الذي يراعي الخبرات الداخلية لجمهور المتعلمين وحصول المشاركة الفعالة في عملية التعليم؛ ذلك عبر وضع خطة بحث في (( المقاربات الوظيفية بين نظريات الإتصال وكفايات تدريس التربية الفنية))0
وفي حقيقة الأمر, لقد تحددت فصول البحث الحالي ومادَّته من خلال ما تمَّ جمعهُ من الدراسات والبحوث العلمية والأكاديمية في مجال التربية والتعليم ومجال الإتصال الإنساني, والتي قد أطَّلع عليها الباحث بما يخدم متطلبات موضوع البحث الحالي.
إذ تناول الفصل الأول إطاراً تعريفياً بالبحث وبهدفهِ الرئيس والَّذي كان قد سلط الضوء على تَعرُّف آثر إستخدام إستمارة الكفايات التدريسية والتعليمية المبنية على وفق إيجاد المقاربات الوظيفية ونوع العلاقة فيما بين النظريات الإتصالية والكفايات التي تُدرَّس بها مواد وموضوعات الفن والتربية الفنية في المرحلة الثانوية, وفي الكشف إيضاً عن أداء مُدرسي ومدرسات التربية الفنية في مديريات التربية التابعة لمحافظة بغداد.
وفي الفصل الثاني من البحث الحالي تناول الباحث إطاراً نظرياً تمثَّل بخمسة مباحث رئيسة, تضمن المبحث الأول التطَّرق إلى نظرة عامة حول مفهوم ” الإتصال” كعلم لهُ أهميتهُ ومكوناتهُ وعناصرهُ وأشكاله ووظائفهُ التي تميَّز بها عن سائر العلوم الأخرى, ومنه “الإتصال التعليمي”, أَمَّا المبحث الثاني فقد شَرَحَ بشيء من التفصيل النظريات المفسرة للإتصال وكذلك تناول المبحث نماذج الأتصال التعليمي التي تتفق ومتطلبات البحث الحالي, في حين تضمن المبحث الثالث الأنظمة الإتصالية التعبيرية ودورها في عملية تشكيل الخبرة الداخلية لمدرس التربية الفنية, بينما ناقش المبحث الرابع الكفاية في التربية والتعليم كخصيصة لمفهوم الكفايات ومعنى للقدرات التعبيرية والمهارات التي يمتلكها مدرس التربية الفنية, بوصفها ” خبرات خارجية تُنمي عن سلوكات وتفاهمات وتجاذبات تشاركية فعالة تسهم في عمليتي التعليم والتعلم والتي قد تتطلبها أغلب المواقف التعليمية, في حين اشتمل المبحث الخامس على المفهوم الفلسفي للتربية الفنية, وأهمية التكوين المهني لمدرس التربية الفنية, وكذلك أهمية الأنماط الإتصالية التعليمية التي يتعامل في ضوءها “المدرس مع الطلبة” ضمن البيئة الإتصالية التعليمية والتي بتوفر شروطها ومواصفاتها الفنية والهندسية زيادة في فعالية الإتصال التعليمي والأنشطة الحاصلة في كل المواقف التعليمية- التعلميَّة, كونها ساعية بتهيئة جميع الأجواء والمتطلبات النفسية والإجتماعية والمادية اللازمة لحدوث وحصول تعلُّم نَشط وفعَّال0
أما الفصل الثالث فقد أتَّبعَ فيه الباحث المنهج الوصفي التحليلي ” تحليل المحتوى”, وكذلك تضمن على الإجراءات التي أتبعها الباحث بشقيها: الميداني والذي أخذ جانب المتابعة الملاحظة والتدريب؛ والآخر الإحصائي الذي أشتمل على تفريغ البيانات والمعلومات ومعالجتها على وفق المعادلات والإختبارات التي خصت كل جانب منها, والتي قد تحدد عن طريقهما مجتمع البحث, المتكون من مشرفي ومشرفات و مدرسي ومدرسات التربية الفنية والبالغ عدده (441) فرداً من الذين يشرفون ويتابعون ويُقيِّمون أداء مدرسي ومدرسات مادة التربية الفنية الذين يُدرِّسوُن في مديريات تربية محافظة بغداد بجانبيها (الكرخ والرصافة)؛ وقد أنتَخبَ منهم الباحث عينة عشوائية بلغ عددها (44) مُشرفاً ومُشرفة ومُدرساً ومُدرسة, كوفئت تلك العينة حسب المتغيرات الأتية ( الجنس – الأختصاص – والخبرة التعليمية السابقة) .
وفي هذا الفصل استعملَ الباحث عدداً من الوسائل الإحصائية التي عززت من إجراءات البحث ونتائجهِ وهي كل من ( معادلة سكوت, ومعادلة كوبر, وإختبار((T-TEST, ومعامل إرتباط بيرسون, وكذلك معادلة فيشر).
في حين تضمن الفصل الرابع أهم النتائج التي توصل إليها البحث الحالي والتي كان منها تحقيق جملة من الجوانب الإيجابية في تلك النتائج, والتي تحققت على وفق الأداة المقترحة ككفايات للإتصال التعليمي, وبالتالي تحقيق للمقاربة بالوظيفة ما بين نظريات الإتصال التعليمي وكفايات تدريس التربية الفنية, وكذلك إثراء مهارات الإتصال الفعَّال للمهارات التعبيرية (اللفظية وغير اللفظية). أمَّا أهم الإستنتاجات التي خرج بها البحث الحالي, فقد تمثلت في إنَّ مفهوم نظريات الإتصال والمتمثلة بنماذجها الإتصالية جميعُها كان هدفها الأساس هو تنظيم الأنساق المعرفية والمعلوماتية للمهارات التعبيرية عن طريق كفايات مدرس التربية الفنية التي يمتلكها, والتي تُعد نظاماً ذاتياً يتفاعل مع أنظمة ذاتية أُخرى مكونا نظاماً إتصالياً وظائفياً أخر يشتمل على التداخل والتفاعل المستمرين.
وفيه أيضاً أقترح الباحث وجوب إعداد تقويم للمهارات الفنية التي يمتلكها مدرسي ومدرسات التربية الفنية ” على وفق إستمارة كفايات الإتصال التعليمي المقترحة, وإجراء دراسات تجريبية هدفها الكشف عن النظريات والنماذج الإتصالية المهمة في عملية إكساب المتعلمين عموماً و طلبة المرحلة الثانوية خصوصاً للمعارف والمعلومات الفنية المهمة والتي لها صلةٍ في موضوعات الفن و مواد التربية الفنية الأُخرى
وقد أوصى الباحث بعدها بعددٍ من التوصيات, وعلى أساس ماظهر من نتائج وتم إستنتاجه, والتي كان من بينها؛ العمل على تعميق الوعي بأهداف وخصائص ووظائف نظريات الإتصال التربوي والتعليمي, وربطها مع محتوى وطرائق وأساليب تدريس مواد التربية الفنية والتي من الممكن إمتلاكها من قبل مدرسي ومدرسات المادة الإختصاص على إختلاف خبراتهم التعليمية المتنوعة.