اقام قسم الفنون التشكيلة محاضرة بعنوان (الخطاب الجمالي للجسد في الاتجاهات الفنية الحديثة) للدكتور احمد جمعة البهادلي والتي بين فيها وبشكل مفصل بعض ملامح مفهوم التّحول في الخطاب الجمالي للجسد الذي شكل ظاهرة في صياغة الأشكال الفنية بوصفه محوراً تيرمينولوجياً أساسياً، وناقش كذلك مفهوم الحداثة مع طلبة الصف الثالث في قسم الفنون التشكيلية، ومن خلال محاور ثلاثة في حلقة نقاشية أقيمت ، لبيان لغة الفن التّشكيلي وأهمية الجسد كوحدة شكلية فيها، وبشكل عام يمكن للمتطلع أن يقوم بعملية رصد أو تقصٍ ظاهراتي للشكل الجسدي في مجمل اتجاهات فن النّحت الحديث، وسيلاحظ وعلى الفور، على اعتبار ان (الجسدي) بما هو وحدة الخطاب الجمالي للأشكال النّحتية سيطرأ عليها تغيرات شديدة وأحيانا حادة، ليس بين حضورها أو غيابها فقط، وإنما حتى على مستوى الأداء الأسلوبي والتّنفيذ التّقني، غير أن الخاصية الأهم في إشكالية الخطاب الجمالي للجسد في النّحت الحديث هي خاصية (الغياب) الجسدي أكثر من خاصية (الحضور). بمعنى أن الفن الحديث أخذ يشكل خطاً آخر في انطلاقته من (الذّاتي) و(العقلاني) و(العدمي)، وهو إلى حد ما انحراف في المسار الطّويل الذي استعمل فيه الجسد منذ الكهف حتى الأشكال في البنائية وفي الدّادائية.

غير أن هذا الانحراف في التّداول الاصطلاحي الشّكلي للجسد لا يعدو كونه استجابة للمتداول الجديد، فـ(الأشياء) التي حولنا أخذت تعني أنها ما يمثل الاهتمامات الجديدة التي يحولها الفنان إلى معانٍ ورموز بعد أن يستثمرها كتكوينات بصرية جمالية، فهي أشكال جديدة تتطور بفعل معرفي مكتسب، وأحيانا تضاف إلى الأشكال الجسدية القديمة بعد تحقيق إدراكها كذلك.

إن الفن يؤسس حقيقة أخرى، غير تلك التي كان يؤسسها (الجسد)، والخاضعة دوما إلى نظام من المتعالقات، وبشكل عام يمكننا تشخيصها في ثلاثة مسارات، فهي إما أن ترتبط بما هو يمثل الحقيقة الموضوعية المتغيرة بتغير الأنظمة العامة أو المسببة لها، وإما تكون خاضعة لمنطق الفكر العام في حدوده الزّمكانية المتبدلة، أو هي خاضعة لمبدأ النّفع والإفادة أحيانا. فنحن وان قلنا سابقا بأن التّحول الشّكلي للجسد إما أن يكون في تبادل أدواره بين الموضوع واللّاموضوع أو بين الواقع واللّاواقع، إلا انه يمكننا أن نبين ظاهرة الخطاب الجمالي للجسد في النّحت الحديث بطريق آخر كما سيأتي، خاصة وان الفكر الظّاهراتي معني برصد الظّاهرة كوجود ظاهري عياني بما هي تمثيل للمرئي الماهوي، ومعني بدراسة الظّاهرة بوصفها تمثيلا للـ(لامرئي) فيها كذلك. فالأداء الجمالي في صياغة الأشكال الفنية يشير إلى وجود الواقع المتقابل مع الواقع ذاته، كما أوضح ذلك (هيدجر) في كتابه (أصل العمل الفني)، فالجسد الفاعل والمنفعل في الخارج ما هو إلا مساحات تأويلية، حامل رمزي لمضامين الأفكار، فهو ليس بذي فاعلية بما هو جسد فني، كتلك التي كان يتصف بها بما هو جسد فيزيقي، وما علينا في نهاية الأمر إلا التّعامل معها كظاهرة.

    

Comments are disabled.