صدر حديثا للدكتور جواد الزيدي رئيس قسم الخط العربي والزخرفة، كتابه الموسوم ( أصل المعنى .. وتوطين الهوية ). وهو دراسة تبحث في معنى أصل العمل الفني من أجل هوية عربية للتشكيل العربي استنادا للطروحات القائلة بتأصيل الهوية أو توطينها ، ويرى الناقد أن التوطين مصطلحا يتلاءم مع طبيعة التشكيل العربي الذي يتخذ مسارين هما العودة للجذور الفنية القديمة في حضارات الشرق واثر فعل الحداثة الاوربية من خلال دراسة جيل الريادة التشكيلية في محطات متنوعة وعواصم انتاج الجمال في اوربا . وقد تضمن الكتاب ثلاثة فصول مع مقدمة وخاتمة . اشتمل الفصل الأول على التأصيل الرمزي في الرسم العربي سبقه بمقدمة عن معنى الأصل وما يقصده من هذا المصطلح مستنيرا بمحاولات (هيدجر ، وميشيل فوكو ، وجاك دريدا ) ورؤية كل منهم لطبيعة الأصل ودراسة هيدجر لأصل العمل الفني بمرجعياته الثلاث المعروفة لدى الباحثين ، أو الأصل المستند على الأبستيم الزمني لدى فوكو وتغيراته الناتجة أزاء سيرورة التأريخ وتحولاته التي تعني ضمنا تحولات معرفية بالتأكيد ، فالقرن السابع عشر نتج عنه عصر التنوير ، اما القرن العشرون فجاء بفعل الحداثة الذي أطاح بكل المرجعيات الموضوعية سياسية كانت اوفنية أو ذائقية ، ومصالحة دريدا مع التأريخ بوصفه ظاهرة يمكن الوقوف على معناها . ومن خلال هذه الحوارية بين هذه الآراء يتوصل الباحث الى أصل المرجع الحداثي في الرسم العربي واضاءة بعض النماذج المهمة في (بغداد ودمشق والقاهرة وبيروت وتونس ).
أما الفصل الثاني فبحث في التأصيل التراثي للحروفية العربية ،هذه المدرسة الفنية التي حاولت استنطاق الموروث الشرقي والعربي في ضوء اصطفاء الحرف وبيان جماليته وكشف رمزيته الخفية ، في طروحات ( شاكر حسن آل سعيد ومديحة عمر وقتيبة الشيخ نوري وجميل حمودي ووجيه نحلة ونذير نبعة ونجا المهداوي ومحمود حماد ) وجيل آخر آمن بمنهج الحروفيين وتتبع خطاهم . في حين اشتمل الفصل الثالث على ايجاد مقاربات فكرية وجمالية للنحت العربي من اجل تكريس مفهوم توطين الهوية في مجموعة اشتغالات عادت الى النحت العراقي القديم والفرعوني ومجمل تراث الحضارات القديمة ، وآليات اشتغال النحت الحديث وصياغاته الاسلوبية في ضوء مجموعة نماذج لجيل الريادة النحتية ( جواد سليم ، محمد غني حكمت ، اسماعيل فتاح الترك ، صالح القرةغولي،محمود مختار،فريد بلكهيه، حسن السلاوي ) وآخرين غيرهم وتم توضيح هذه الطروحات بنماذج مصورة من أعمال هؤلاء كملاحق تكرس العلاقة بين النظري والتطبيقي في الممارسة النقدية.