هذا المخرج الرائد هو الوحيد في تلك الفترة كما تضير بعض المصادر الذي درس السينما والإخراج السينمائي في أمريكا وحصل على شهادة في ذلك ، أن المخرج ( كاميران حسين ) يقف من بين أهم وابرز مخرجي السينما العراقية الرواد ، ومن خلال فيلمه ( سعيد أفندي ) بالذات … على الرغم من تقديمه لعملين سينمائيين واللذين كانا إنتاج مشترك مع لبنان ، هذان العملان لم يحققا شيء يذكر على المستويين الفني والتجاري وهما فيلم ( مشروع زواج ) وفيلم ( غرفة رقم 7 ) ، لكن ما حققه في فيلمه الأول ( سعيد أفندي ) جعله من المخرجين الذين لا يمكن لأي باحث في السينما العراقية إلا أن يعرج عليه بطريقة أو بأخرى …
المخرج الراحل ” كاميران حسني ”
لذا سنتناول بالتحليل هذا الفيلم تحديداً .
فيلم ( سعيد أفندي ) 1958
( حكاية الفيلم )
تعرض فيلم ( سعيد أفندي ) لتفصيلات اجتماعية حياتية بسيطة لكنها عميقة في مجريات وسياقات تفصيلات الحياة اليومية المعاشة عبر معالجتها وطرحها بإطار فني وجمالي ، فـ ( سعيد ) موظف بسيط يعاني من إشكالات الحياة وهو يحاول براتبه البسيط أن يجد المسكن والمكان المناسب ليضع نفسه ضمن وضع إنساني يليق به ، وهكذا تبدأ الرحلة عن البحث عن البيت المناسب والجار المناسب والمحلة المناسبة ايضاً ، ووسط هذه الجولة يقودنا المخرج إلى عرض تفصيلات من الحياة اليومية للمجتمع العراقي في فترة الخمسينات من القرن المنصرم ، ويعرض علينا ايضاً الشخصيات العراقية المألوفة من ( الاسكافي ) إلى شخصيات تشكل رموزاً في المحلة الشعبية العراقية ، ويطرح الفيلم ايضاً مفاهيم تلك الفترة مثلاً الصداقة ، التآلف ، التكاتف بين افراد المحلة الشعبية ، النقد الساخر من الوضع الاقتصادي في تلك الفترة ، الاحلام التي تداعب الناس والتي هي احلام العيش البسيطة في بلد غني بثرواته وغيرها من المفاهيم السائدة في تلك الفترة .
التحليل
بدءاً يسجل الفيلم ومخرجه تأثيراً واضحاً بالسمات الأسلوبية الايطالية الجديدة والتي تبلورت من خلال تأثرها بالمنهج الواقعي في السينما .
لقد جاء تأثر هذا المخرج حسب تصورنا بالمنهج الواقعي وتنويعاته الأسلوبية من خلال تأكيده على عدة مواصفات او خصائص هي في الواقع من أهم مرتكزات أو منطلقات الواقعية في السينما ، ومنها الطرح الموضوعي أي الاعتماد على الموضوعية في طرح وتناول الأحداث الدرامية داخل نسيج الفيلم ، كذلك نلاحظ تأكيده على الاستمرارية الزمكانية في تدفق الأحداث وبالتالي عدم تفتيت الجريان الواقعي للزمان والمكان والمحافظة على تلك الوحدة الموضوعية عبر تأكيد العلاقة الموضوعية بين مجريات الأحداث والارتباط الزماني والمكاني لتلك الأحداث وخصوصاً في المشاهد التي صورت داخل المحلة الشعبية .
ونلاحظ ايضاً استخدامه للمثل غير المحترف ( شخصية الاسكافي الخرساء – والتي أدتها زوجة المخرج الأجنبية ) هذا الاستخدام واحد من المكتشفات الخاصة للواقعية الايطالية مثلما لاحظنا ذلك في الأفلام التي أخرجها ( دي سيكا ) وغبره .
كما كان اختيار المخرج لزوايا التصوير على سبيل المثال من مستوى نظر المشاهد العادي وهذا في الواقع ما يمكن أن نلمسه في اغلب مشاهد الفيلم ، والذي يولد لدينا احساساً بأننا نرى شخصيات حياتية مألوفة وبأننا لا نرى شخصيات تقدم لنا بصيغة التفوق أو الانحسار مثلاً والتي تتيحها لنا إمكانية تغيير زاوية الكاميرا ومستواها .
أن تحديد درجة الرؤية وعلى مستوى النظر يولد لدينا إحساسا قوياً بالألفة مع الشخصيات وبالتالي يؤكد الإحساس بواقعية الأشياء التي تعرض على الشاشة .، كذلك يمكننا ان نرصد استخدام المخرج الواسع للقطة العامة التي تعطينا إحساسا كبيراً بالمكان جغرافياً وبواقعية وبزخم كبير من حركة المرئيات داخل هذا الحجم … وهذا ما نلاحظه في اغلب المشاهد مثل ( مشهد المقهى ) و ( مشهد التجوال للبحث عن دار للسكن ) وقد لعب هذا الاستخدام دوراً مهماً في إيصال المحتوى وتأكيد القيمة الواقعية للأحداث التي تعرض على الشاشة عبر خلق هذا الإحساس بالتواصل الزمكاني للأحدث.
الملاحظة الأخرى ان ( المخرج ) قد أعقد على التصوير في الإمكان الحقيقية كما حاول تأكيدها وبشكل صريح ومباشر عبر تلك العبارة التي وردت في تايتل الفيلم والتي أكدت أن هذه الأحداث صورت في أماكن حقيقة .
ويمكننا ان نرصد العفوية والتلقائية في تمثيل الشخصيات وطريقة الأداء والتعامل مع التفضيلات التي جاءت بصيغة أضفت على الفيلم مسحه واقعية عبر توكيدها على أظهار التفصيلات الحياتية المعاشة واليومية كما هي مقربة من الواقع المعاشي ، ايضاً نجد ( المخرج ) وبسبب تكاليف الإنتاج من ناحية وبسبب تأثره الواضح بالواقعية الايطالية قد أبتعد عن الاستخدام الواسع للتقنيات السينمائية ، كذلك عدم محاولته التأكيد على الجوانب الشكلية بقدر ما كان التأكيد على المضمون الذي كان له الأهمية الكبرى في الفيلم ، وقد جاء الاستخدام المحدود للكاميرا وعدم تأكيد دورها عبر إيجاد حركات معقدة ومبهرجة ان جاز لنا التعبير ذلك ، أن هذا الاستخدام جاء متوائم مع طبيعة الموضوع المطروح بحيث ولدت لنا هذه الحالة توافقاً ما بين توظيف التقنيات السينمائية وطبيعة الموضوع والتي أضفت اللمسات الواقعية عليه … ويبدو لنا أن هذا لم يأتي بطريقة اعتيادية بقدر ما كان هناك توجه وقصديه من قبل ( المخرج ) والعاملين معه إزاء تبني الواقعية في انجاز هذا العمل .
كذلك نجد أن ( المخرج ) قد لجأ إلى استخدام العدسة الاعتيادية في تصوير أحداث فلمه والتي أضفت عليه بعداً واقعياً بصرياً لان استخدام العدسة الاعتيادية في التصوير يؤدي إلى مثل هذا الإحساس بسبب مقاربتها لزاوية وبعد بؤري العين البشرية ، والذي يعني من الناحية الفنية والجمالية رؤية واقعية ، رؤية بصرية مشابهة لرؤية الإنسان والتي تعني ايضاً الإحساس البصري الواقعي للأشياء .
الملاحظة الأخيرة هي ما يمكن أن نسجله من استخدام الزمن والتعامل معه الذي جاء بطريقة اقرب ما تكون إلى الواقع والذي أضفى على الفيلم نوعاً من الصدق وهي ميزة للواقعين في السينما فزمن الحدث في الفيلم يكاد يقترب من زمن وجوده الفيزيائي المعاش
وتأسيساً على ما تقدم وفي هذه العجالة من العرض والتحليل يمكننا أن نحدد أهم الاشتغالات الأسلوبية للمخرج ( كاميران حسين ) بالشكل التالي :
- استخدام الممثل غير المحترف .
- عدم التأكيد على استخدام وسائل المونتاج وتنويعاته .
- استخدام زوايا ومستوى آلة التصوير وفق احتماليتها الفيزيائية .
- الاستخدام الواسع للقطة العامة .
- التصوير في الأماكن الحقيقية .
- الاعتماد على العفوية والتلقائية كطريقة أدائية لأغلب شخصيات الفيلم .
- عدم التوسع في استخدام التقنيات السينمائية .
- الاعتماد الواسع على استخدام العدسة الاعتيادية في التصوير .
- مقاربة الزمن مع الزمن الواقعي الفيزيائي مع التكثيف والإيجاز الفلمي .