مفهوم  الشخصية الدرامية 

الشخصية في اللغة (الشخص)سواد الانسان وغيره تراه من يعيد وكل شيء رايت جسمانه رايت شخصيته والشخص كل جسم له ارتفاع وظهور والمراد به اثبات الذات ما ستعير لها لفظ الشخص))([1]).

ويتضح من هذا التعريف ان لفظ (شخص) تطلق للدلالة على الوجود المادي للانسان وسواه.وفي اللغات الاوربية هناك الفاظ تدل على الشخصية مثل (Personolity ) بالانكليزية و (Persolite ) بالفرنسية وكذلك (Personlinchkeit ) في الالمانية. (وكلها من الاصل اللاتيني (Persona ) الذي يعني القناع الذي كان الممثل يضعه على وجهه للاداء المسرحي، وكان هذا  القناع يحمل الملامح المميزة للشخصية التي يقوم الممثل باداء دورها ثم استعملت اللفظة عندهم بمعنى المميزات الشخصية في المظهر والاخلاق واستعملت ايضا بمعنى شخص))([2]).

والشخصية( (Character ) مصطلح استعير من المفردة الاغريقية القديمة (Character ) التي تعني اولاً اداة لتحديد او رسم العلامات ثم جرى تداولها بعدئذ للدلالة على العلاقات المميزة لحروف اللغة كذلك على مجمل الصفات التي تميز فرداً على اخر))([3]).

ويعرفها (وليم ارثر)  بانها ((مركب من العادات الذهنية والانفعالية والعصبية))([4]) ثم يضيف (اكري) هذا المركب الذهني بقوله (لقد وجدنا ان كل كائن بشري يتكون من ابعاد ومقومات ثلاثة هي كيانه الفسيولوجي (المادي او العضوي) وكيانه السيسولوجي (الاجتماعي) وكيانه السايكولوجي (النفسي) واذا دققنا هذه الابعاد للاحظنا ان الكيان الجسماني والاجتماعي والذهني يشتمل على الجينات (المورثات) التي هي المحرك لجميع افعالنا فضلاً عن ذلك فان الشخصية هي الثمرة الاجمالية لكيان الانسانية المادي وللمؤثرات التي تفرضها عليه بيئته))([5]).

ويعرفها (جوردن اليورت) بانها (( التنظيم الدينامي في داخل الفرد لتلك الاجهزة النفسية الجسمية التي تجدد طابعه الخاص في توافقه لبيئة))([6]) واهمية هذا التعريف كما يرى (اليورت) انه يعترف بالطبيعة المتغيرة والحركية للشخصية     ( التنظيم الدينامي) كما يركز على الجوانب الداخلية اكثر من المظاهر السطحية فهو يعني ان الفرد لديه بناء داخلي ومدى من الصفات تتغير لكنه ثابت نسبياً وهذا التعريف يؤكد (التوافق الوظيفي التطوري للفرد مع البيئة، وهو توافق ايجابي فعال مع البيئة الطبيعية والبيئة السيكولوجية)([7]).

ويشير مصطلح الشخصية Character الدرامية الى (شخصية بارزة او شخصية مسرحية او روائية او تاريخية او شخص او فرد).([8])

تعني( الشخصية Character ) أيضاً معنى الصفة او الميزة او الطبع او الخصيصة او الخلق او الشخصية غريبة الاطوار او الشخصية المسرحية او الدور في المسرحية))([9]).

فهي تكون بالمعنى السابق الذكر بمثابة منظومة الصفات والقيم والرغبات والعلاقات والتحولات التي يجسدها الكاتب الدرامي على هيئة قوى متفاعلة درامياً من اجل ايصال رسالته الى المتلقي اضافة الى انها أحد المكونات الاساسية للحبكة، ويجري تطوير الاحداث من خلال حوار الشخصيات وسلوكياتها وصراعها مع بعضها وايضا صراعها مع نفسها (الصراع الذي يكون داخل الشخصية).

يرتبط مفهوم الشخصية الدرامية على ارتكازات متعددة منها الصفات الخارجية الجسمانية او تحديد المزاجية او السلوكية والارتباطات والعلاقات الاجتماعية او السمات الخلقية التي تضع الفوارق بينه وبين الشخصيات الاخرى.

على الرغم من ان لفظة الشخصية في بعض الاحيان ياتي من الانطباع او الاثر الذي يتركه بالوصف التكويني العام مثل شخصية جذابة او سمجة او شخصية قوية  او ضعيفة او شخصية ذات وجود متلونة او لا شخصية للشخصية.

وفي الفلم السينمائي يعتمد كاتب الدراما في بناء شخصياته (على نماذج من الحياة الواقعية والحقيقية وليس معنى هذا ان يستعير بطريقة فوتغرافية صوراً من شخص حقيقيي بل معناه ان ياخذ السجايا التي يرغبها ثم يخرجها بطائفة غيرها من السجايا التي يريد ان تتسم بها شخصياته))([10]) ولكن من المهم ان نميز بين الشخصية الانسانية كما هي في واقع الحياة والشخصية الدرامية الممثلة فنياً للشخصية الانسانية فما لاشك فيه ان الشخصية الانسانية تكون اكثر تعقيداً من الشخصية الدرامية لانها في تفاعل مستمر مع الحياة الاعتيادية. اما الشخصية الدرامية، فهي صانعة للاحداث وتكون من نسيج خيال الكاتب وخزينه المعرفي الذي يمكن العودة اليه في حالة كتابته لشخصية ما والتي يخلقها برؤياه وادراكه الخاص او من خلال تجربة يكون هو قد مر بها او حدثت امامه و تحولت الى خزينه الذهني والمعرفي ، فيعطيها ماضياً ومستقبلاً بحيث تبدو لنا كانها كائن حسي ذو بناء متكامل له تاريخ يرتبط بحركة الزمن فضلاً عن حاضر يؤشر، ضرورة، الى مستقبلية  الاحداث يتزامن كل هذا مع المكان الذي يمثل الوعاء الذي يحتوي فعل الشخصية ويستجيب لما يحيط بها من مؤثرات لذا فان(( وجودها من الناحية الموضوعية لا يتجاوز وجود العناصر المركبة لها وهي : الحركة الكلمة، التعبيرات الوجهة، اما ماضيها ومستقبلها فهي الماضي والمستقبل الذي يعطيها الكاتب المسرحي لها))([11]) فيجب ان تكون هذه الشخصية مرسومة بدقة وعناية شديدة لان من خلالها يتم طرح الافكار والحوار ونكشف عن ابعادها التي نراها في الصورة فيجب ان تكون مقنعة حتى تبدو مفهومة وحقيقية وقابلة للتصديق.

ويشير (غولدمان) الى ان (( الكاتب الدرامي اثناء مزاولته لخلق الاشخاص ينظر بعين الاهتمام الى وضعهم الطبقي من اجل ان تبدو افعالهم وافكارهم واقوالهم مطابقة لاولئك الافراد الذين تتكون منهم تلك الطبقة ومن خلال رؤية تلك الطبقة للعالم يستطيع الكاتب الدرامي ان يصوغ لهؤلاء الافراد ما يفكرون به وما لا يخضعونه للتامل او التفكير بحيث يبرز التواؤم بين ذواتهم ووعيهم من حيث هم افراد وبين مستوى الوعي الذي تمتاز به هذه الطبقة من المجتمع))([12])

ولا ننسى أيضاً ان دور المخرج في ابرازها فهو يظهرها كما ادركها في النص ((اذ يجهز الكاتب السينمائي عموماً مادة الموضوع للفلم الا ان المخرج يقوم بخلق مضمونه الحقيقي من كل هذا نستنتج ان ثمة علاقة ليس بين الكاتب ومادة الموضوع والبيئة التي تربى فيها بل حتى بين المخرج والكاتب )) [13]بعدها ياتي دور الممثل الذي من خلاله يتم نقل الافكار والمعاني ويقنع المشاهد بالشخصية من خلال اعتماده على موهبته الشخصية فيقوم بتقمص الشخصية (فيعطيها بعداً انسانياً)([14]) ويتم ذلك بعد ان يقوم بدراسة الشخصية ودراسة افكارها وتبني سلوكياتها وانفعالاتها ودوافعها الباطنية. ويجب ان نكون له القدرة على التعبير على نحو مقنع من خلال ايماءاته وتعبيرات وجهه وحركة جسمه ونبرة صوته وحواره الذي يمكن من خلاله تعريف البعد الاجتماعي للشخصية فهو (( الكلمة المجسدة تجسيداً حياً بالمعنى الملموس الادق))([15]) بعدها يبدأ بتقمص الشخصية ويتم ذلك من خلال تجربة يكون قد مر بها او شاهدها يتم العودة لها في حالة من التداعي والتخيل واستخدامها باعادة التركيز عند أدائه الفعل التمثيلي ويجب ان تكون الشخصية  مقاربة في اندفاعها لتحقيق افعالها الداخلية والخارجية سلوك الشخصية في الحياة العامة وليس الفلم (( فاذا ما سيطرت شخصية الفنان على اثارة خرج من دائرة التقليد والمحاكاة وانطلق في دروب الابداع والتميز من الاخرين ))([16]) عندها يقوم بنقل العدوى التاثيرية الى المتلقي وهنا سيحتاج الى مهارته ليكون ما يقصده واضحاً. فكل مشاهد سوف تتباين ادراكاته في فهم واستيعاب هذه الشخصية وسوف يقوم بالبحث عن المعاني والقيم لكي يصل الى تفسيره الخاص للفعل والحوادث التي يشاهدها فهو ملزم بالوصول الى تفسير خاص يكون مختلفاً عن تفسير الكاتب، ويزداد ذلك كلما كانت الشخصية معقدة . اذاً الممثل عرض الفعل اما ردة الفعل فستكون على المشاهد الذي يقوم بحل شفرة ما يراه ((ان الخاصية الواقعية للصورة تفسر تفسيراً جزئياً كل ظواهر الاندماج والتصديق التي ترابط الجمهور بالفلم))[17].

لذا نجد كثيراً من المشاهدين عندما يندمجون كثيراً في العمل الدرامي يتخيلون انفسهم تلك الشخصيات دون وعي، فيشير أحدهم الى تلك الشخصية الدرامية ويقول هذا انا ومثال على ذلك الابطال الخارقون الذين يحبهم المراهقون ((ولو تم عرض احد الافلام الرومانسية التي تحوي اثاره عاطفية على فتى او فتاة مراهقين فلسوف نجد انهما قد يرغبان بالمرور بالتجارب نفسها التي شاهداها في حياتهما الواقعية)).([18])



([1])  ابن منظور ، لسان العرب ، المجلد السابع ، (بيروت، دار صادر ودار بيروت، 1956)، ص 45.

([2])  حسن ظاظا، الشخصية الاسرائيلية ، مجلة عالم الفكر ، العدد4، المجلد 10،( الكويت ، مطبعة حكومة الكويت، 1980)، ص 14.

([3])  حميد علي حسون الزبيدي ، مشكلات البناء الدرامي في المسرحية العراقية ، اطروحة دكتوراه  (غير منشورة)، بغداد، جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، 1998، ص 94.

([4])  لايوس ايجري ، فن كتابة المسرحية ، ت: دريني خشبة، (القاهرة : مكتبة الانجلو المصرية ، 1956)، ص 144.

([5])  المصدر السابق نفسه ، ص 124.

([6])  احمد محمد عبد الخالق ، الابعاد الاساسية للشخصية ، (بيروت ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، 1983)، ص 39.

([7])  فيصل عباس ، الشخصية في ضوء التحليل النفسي ، مصدر سابق، ص 19.

([8])  مني بعلبكي، قاموس  المورد ، الطبعة الحادية عشر، (بيروت، دار العلم ، 1977)، حرف C .

([9])  المصدر السابق ، الحرف c .

([10])  الابن روجر .م بسفيلد ، فن الكاتب المسرحي ، ترجمة : دريني خشبة ، (القاهرة : مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ، 1964)، ص 181.

([11])  سامية اسعد، الشخصية المسرحية، مجلة عالم الفكر ، العدد الرابع ، المجلد(18) يناير مارس، 1988، ص 117.

([12])  ويليام بويلوور ، مدخل في علم الاجتماع الادبي، ترجمة: ابراهيم خليل ، مجلة الاقلام، العدد10، السنة التاسعة عشر ، تشرين الاول ، 1984، ص 82.

([13]) لوي دي جانيتي، فهم السينما، ترجمة: جعفر علي ،(بغداد: دار الرشيد للنشر، 1981)، ص 428.

([14])  ميسون عبد الرزاق البياتي، الابعاد الثلاثة للشخصية، رسالة ماجستير غير منشورة، (بغداد:جامعة بغداد ، كلية الفنون الجميلة، 1988)، ص 24.

([15])  مارتن اسلن، تشريح الدراما، ترجمة: يوسف عبد المسيح ثروة، (بغداد: مكتبة النهضة ، 1978 ) ص 35.

([16])  جبور عبد النور ، المعجم الادبي ، (بيروت: دار العلم للملايين، 1979)، ص 147.

[17]  مارسيل مارتن ، اللغة السينمائية، ترجمة: سعد مكاوي،( القاهرة: الدار المصرية للتاليف والترجمة، 1946)، ص 18.

([18])    J.P.Mayer, Sicioloey of Film, London , RmacLehseand company Limited , un- dated , pp. 158-159.

Comments are disabled.