جان جينيه وتدمير الأبويـــة

   لم تشكّل الكتابة عند جان جينيه بعداً مرآوياً للواقع بل استطاع بنصوصه المسرحية ان ( ينفي ) الواقع الاجتماعي الضاغط ، باختلاق قوانين جمالية شكلانية حّرة تتوازى مع توقه الذاتي الى الحرية ضد الاستلاب الواقعي الذي أجبره على الرضوخ في سجونه ، ومؤسسات عقابه ، وعاداته ، وطغيانه التأريخي ، على الآني.

أراد جينيه أن ينفي قوانين الواقع الاجتماعية السائدة في زمن الكولونيالية والرأسمالية ، ويجلب بديلاً عنها قوانين الشكل الفني الوهمية ، والمصطنعة ، والزائفة عن الأيدلوجيات المكرسّة او الشمولية ، حتى إن ظهرت في نصوصه ، عذابات ذاته المضطهدة والمستلبة وهي مفعمة بالكراهية ، والقلق ، والتمرد على طمأنينة زائفة وسط عالم من القسوة والرعب .

أراد أن يكرس لعبته الجمالية باستبدال وهم الواقع بوهم الفن ، أراد أن يدمر البنية الراسخة التي تلمّ شتات الواقع المتشظي ، بوحدة تخيلية ، من نمط أرفع ، وأكثر عاطفية ، ومثالية ، لايوجد فيها كائن أعلى سلطوي ، وآخر أدني تابع .

ان فئات مجتمعه المسرحي ، من زنوج ، وعرب ، وفهود سود أمريكيين ، وجنود حمر ألمان وخدم ، ورهبان ، ومجرمين ، وشاذين ، وجنرالات فرنسيين …. أصبحوا بعد أن أنعشتهم الرؤى الإخراجية لنصوصه ، كائنات خيالية لاتحيا الا في مسرحه الفردي الخاص.

يقول سارتر عن مسرح جان جنيه بأن أفكاره حلقة دائرية متزايدة السرعة باستمرار وإن قالب تفكيره مثل قرص متعدد الألوان ينتج الأبيض ، منطقة زائفة ، كينونة ومظهر ، يجذبه للمسرح ، الزيف ، الخداع ، التصّنع ، والمسرح أبرز أنواع الزيف وأكثرها حذاقة ، وشيطنة ، واصطناع .

إن جينيه يقلب أوضاع ممثليه وشخصياته بلعبة الأقنعة ، أبيض يضع قناع أسود ، وأسود يضع قناع أبيض ، ونسوة ينقلبن على طبائعهن البشرية فيظهرن بمظهر الرجال، ورجال يظهرون بمظهر النساء ، كأنها شخصيات مخترعة لاحقيقة لها خارج نطاق خشبة المسرح .

وحتى جمهوره يصيبه وبـاء جينيه الانشطاري ، فيتحول بدوره الى كائنات مراسيمية تسهم في طقوس وثنية مابعد الحضارات وبتراتيل مابعد المسرح ، والدين.

شخوصه تملصّت من منظورها النفسي والاجتماعي وكينوناتها الطبيعية الحيوية ، اللصيقة بنفعية المصالح والمآرب الأرضية ، لتتحول الى طيف أقنعة تقود الى متاهات من التوهم ، واصطناع الرغبات الغرائزية لتتقابل عبرها اللذة بالمنظومة الأخلاقية ، التي يصّر على التصدي لها ، بروحه العارية ، التي تزداد شبقاً عند التحامها مع الواقعي الساخر والمبتذل ، يدهشه البعد الفضائحي ( لذاته ) التي لاتحب ستائر ، وقواطع الحجب ، بقدر بحثها عن حقيقتها الوجدانية ، العاطفية ليحتمي بشظايا تدميرها  ، من التدميرية الحقيقية التي تزخر الحياة بها ، لاسيما في فرنسا الكولوينالية  وأوربا الخارجة من حروبها الضارية ، والماحقة لكرامة الإنسان ووجوده ، او بما أفرزته من نظم شمولية ، وشبكة عقائدية ، لاصطياد البؤساء من الناس ، واللقطاء ، والمتسولين ، والمتخلفين عن ركب الصناعة في بلدانهم الفقيرة

أراد جينيه في مسرحه ان يصدم جمهوره لمرتين ، مرّة في زيادة حدة الواقع الاجتماعي المتردي الخشن ، وأخرى في تأكيد كثافة فنه الجديد ، بتهديم الشفرات الفنية التقليدية المقننة ، وسعيه الى ابتكار شفرات فنية متعارضة مع المكرس ، سواء باللغة او التقنيات او اكتشاف سنن ( ماوراء المسرح ) meta- theater وهنا، تتعمق ( مسافة جمالية ) من نمط مبتكر تنزع الجمهور بعيداً عن عاداته ، وأعرافه الامتثالية ، والاندماجية مع ثقافة شائخة ، مريضة ، يحق لمثله أن يثور على مردودياتها النفعية ، ويثور على قوالبها الأيدلوجية ، والتجارية ، والتكنلوجية .

جينيه يقف بانحلاله الأخلاقي ، ورغبته العارمة لتدمير ذاته ، وثوابت مجتمعه ، وثقافته البرجوازية ، يقف ضد محاولات تحذير الناس ، وإشاعة النزعة الاستهلاكية بما تروجه الشركات والمصانع الرأسمالية من عبادة ( فيتيشية ) للسلعة ، وما تجرّه من أحادية تنميطية للذات الإنسانية ، ومن كبت ومصادرة تحت وطأة الإعلانات الترويجية الطاغية في رأسمالية السوق . هذا التململ من حالة ( التشيؤ ) او تسليع الكينونة البشرية ، أطرّ تجارب جينيه المسرحية ، وخلق الانطباع عنه ، في انه كافح ضد تجريـد الإنسان من صفاته الإنسانية ، حتى ان كانت صادمة لايطيقها الذوق العام ، المتشكل من كتلة صلدة ، صماء . أراد أن يقوض الحذر العام الخاص بثبات مايسمى بـ ( الهوية ) المتعالية ، في محاولة منه لتقويض هذه الهوية المفترضة الزائفة – أيضا – بنفي الذات في علاقتها بالموضوع وتهشيم المفهومات والتصورات عن عالم ميت ، قديم ، لاشأن له بعوالم فردية متنوعة تريد أن تؤكد كيفيات نظرية جديدة في التعامل مع العالم ، وموضوعاته ، بطرائق ذاتية خاصة بأساليب رؤى مغايرة .

في مسرحية ( الخادمات) تظهر غرفة نوم السيدة ، مؤثثة على طراز لويس الرابع عشر  الخادمة ( كلير ) ترتدي قميصها الداخلي لهجتها مأساوية ، مبالغ فيها تقول الى الخادمة ( سولانج ) :

   هــذه القفازات الأبدية علّقيهـــا فوق البالوعــة .

سولانج : ( تجلس القرفصاء ، تبصق على الحذاء الجلدي اللامع ، لتلميعه

كليـر: انظري الى صورتك في حذائـي ( …)

  السيدة : ما أشد غبطتي عندما أحمل عنه صليبه ، سأتبعه من مكان الى مكان ، من سجن الى سجن ، ماشية على قدمي اذا لزم الأمر  سأتبعه حتى الى منفى المذنبين .

سولانج : إننا فاتنات مفعمات بالسرور وأحــرار .

 

                                ( ستـــــــــــار )

 

 قدمت أعمال جينيه في فرنسا ، وكانت القضية الأخلاقية تنظر من زوايا نظر مختلفة ، يساهم في صنعها المخرجون والنقاد ، والجمهور بأصنافه المختلفة.

وكذلك فهمت أعماله بطرق متنوعة في ألمانيا ، وفرنسا ، وأوربا.

وحاول بعض مخرجينا العرب أن يقدموا أعمال جينيه من منظورات مختلفة أيضا.

يقول جينيه :

 ( .. أعتقـد أن العرب لاتهمهم أعمالي في هذه المرحلة . )

ويعقّب ( أنا أعرف العرب عندهم حساسية ” أخلاقية ، مفرطة .)

ان بطله الفرنسي أكثر حرية في رفضه ، بعد أن تحرر مما أسماه بالإرهاب العسكري ، والسيطرة الدينية الكنسية ، حتى ان كان رفضه غامضاً ، الأمر الذي يذكر جينيه بأعمال كافكا ، وبطله في رواية ( القضية ) ، الذي كانت حياته معرضة للخطر ، لكنه في الوقت نفسه كان يمثل دوراً غرامياً ، هزلياً مع إمرأة !

استطاع – جينيه – كما يذكر ان يكون أدبياً ، وسط اللصوص ، والبوهيميين في فترة خاصة .

لقد كانوا يتكلمون فرنسية سليمة ، وكانوا يقرأون كتباً جيدة ، ربما هنا نفهم مغزى ردّه على أحد منتقديه ، الذي لم يقتنع باللغة العالية ( للخادمات ) ، وقوله :

  وما أدراك بأنهن لايتحدثــــن هكذا .

يكتب ناقد عن جينيه بأنه كان يتوجه تدريجياً الى ممارسة الشر والجريمة ، وبالولاء نفسه الذي يتوجه فيه القديس الى الفضيلة والطهارة .

  ( … ) يحوّل الجبن والقتل والخداع الى فضائل لاهوتية ، منطق شهواني لبيدي لنصوصه ويصف الناقد أسلوبه ، في رواية ( سيدتنا ذات ألأزهار ) بانه مستوى عالي من السفسطة والثقافة والفكر ، غنى في المفردات وحذاقة في التركيب والمبالغة في الاستعارات ، والإحساسات الهارمونية في الوزن ..

وشعره المسرحي ، محدّد بعنف مروّع ، وعدوانية شعر يغمر الحاضرين ويشوشهم ويثير خجلهم وسخطهم ..

كما يجد غولدمـان ( الماركسي ) في جينيه ( واقعيــة ) ويجـــد جوفيه ان جينيه ( طبيعي ) ، ويجده ليتزو بأنه ( برختي ) .  وآخر وجد في جينيه ممثلاً لما وراء المسرح بوثائقه النقديـــة المستمرة عن صورة الأنثى الأصلية وهي ( الدعـارة ) من خلال قنـوات ( سادية شعائرية ) خلقها الرجل بخياله ( زبائن ) الماخور !

الهام شعري ، وكبح الذات والسيطرة عليها بروح تدميرية سافـرة .

أعتقد  باتريك أو هيجنيز بان جينيه أول من فتح الأبواب على جمال الشذوذ الجنسي ، وعلى الحزن الكامن فيه .

رغبة جينيه الشاذة ، والمزدوجة ، يوجزها هو بنفسه حين سكن في فندق الهلتون بالمغرب العربي ، بقولـــه : ( .. لأنني كلب قذر ، أحبّ أن أرى هؤلاء الأنيقين يخدمون كلباً قذراً مثلي ! ) .

وهو بالطبع يستبطن مشاعرهم تجاهم ، وقناعتهم الطبقيــة والأخلاقية ، بأنه مجرد كلب قـــذر !

لم تدع قراءته لما يكتبه الغربيون عن ( الأدب العربي ) ان يلّم بحقيقة الإبداع في عالمنا العربي ، لذلك يسارع بالحكم بأنه أدب لايمس القضايا العالمية ، بل حتى أنه قاصر على ملامسة الشعور العربي نفسه .

ولايخفى جينيه سبب منعه من الدخول الى أمريكا ، بسبب شذوذه الجنسي ، ولصوصّيته السابقــة .

ويضيف : ..  أيضاً لا أستطيع دخول ( روسيا ) لأن جدانوف صادر كتبي في عهد ستاليـــن .

ويذكـــر ان كاسترو الزعيم الكوبي ، كان صديقـه

( لكني – كما يقول جينيه- لا أقبـل منه أية دعوة رسمية )

يرى – جينيه  – ان رجال البوليس لم يكونوا إنسانيين قط ، ويوم يصيرون إنسانيين ، فأنهم لم يعودوا رجال أمن .  ومن تجريداته في الحكم على الكتاب ، كان يعتقد بان كامو ينفعل أكثر مما يفكر ، وان فكتور هيجو كاتب ديماجوجي .

يعيد جان جينيه في مسرحياته دائماً ، تفحص مفهوماتنا الأخلاقية – والاجتماعية والعقائدية بوعي شقي لواقع شقي هو الآخر ، ومن خلال لغته المتخيلة يرسم فضاءاً جديداً يجمع فيها تفكك الأسرة الغربية ويلاحق كيفية تصدع قلبها المدني ، ويدرسها لا كما يبحث المحللون عن ( الأرض ) بل يتأملها بذكاء عاطفي – وجداني ، على ضوء معطيات جديدة ، مفارقة ، ومتغيرات حاصلة ، ليعيش في وسائل بشرية ، متطرفة ، نابذة للأخلاق المتداولة ، ولقدريتها المرسومة بشكل قبلي للحياة ، انه يخلق عالمه لحظة بلحظة ، بمثل ما يفعل في الحياة ، تراه فاعلاً في المسرح في الخادمات تبزغ المعجزة لا في انتظار المخلص ، بل انه يمارس ببساطة دور الهيمنة للسيدة الغائبة من قبل الخادمـــات أنفسهن .

انه يمثل عالمه الجمالي ويتكيف معه ويوحده بعد ان كان منفصلاً في عالمين متميزين ، الحياة والفن حيث يزج نفسه ، ويذوب في عوالمها المتخيلة العجائبية ، بمثل ركوبه كوارث الحياة . ثمة تطابق بين شخصية الراغب بتدمير الحياة  بمثل شوقه العارم بتدمير أشكال المسرح ، وتدمير المجتمعات الغربية ، وما كرسته من ثقافات متتالية في تاريخها فهو يعتقد بان شكل المسرح لم يعد مجدياً … وأشكال الكتابة الموجودة حتى الآن استهلكت بما فيه الكفاية ويؤكد تأييده للصوص العالم كلهم ضد الأمريكان الأغنياء ويضيف :

 ( إننا كلنا سراق ، إنما هناك اللص الشريف ، وهو الذي يسرق الأغنياء ويعطي شيئاً للفقراء ، وهناك اللص الخائن المجرم ، الذي يسرق الفقراء ويتقاسم مع أمثاله ، ماسرقـــه . )

  وفي علاقته مع الديــن ، يرى بان الإنســـان قد يكون وفيّاً بدون دين ، او خائناً ، وله ديـــن .

ولايضمر إلحاده ، فهو يقدسّه ، بمثل مايقدسّ الآخر دينه السماوي . هو يشعر بأنه طفل مهجور ، بلا أم لا أب .

ويقول : ( تسولت لفترة من حياتي ، وكنت أنام في الشوارع وتحت الجسور .)

وكان في حياته البائسة يسرق ، وينام مع الرجال من أجل لقمة العيش !

كان جينيه عازماً على حضور مهرجان المسرح العالمي الأول في العراق ، وحين سأل عن عزمه لحضور المهرجان أجاب :

    … طبعاً .. هذا اذا لم يعقني المرض أو أي أمر يمنعني من الحضور ،

     لقد وجَهّوا لي دعــوة رسميــة .

يعرف جينيه العربية الدارجة ( المغربية ) ، ويستطيع أن يتهجّى الحروف العربية ، ويكتبها بدون أخطاء كان كما يقول محمد شكري عنه ، إنسانياً جداً مع الشباب السود والسمر ، ويشفق على البائسين . ويتناول كثيراً من الأقراص المخدرة ، فلا يعود يتذكر جيداً مايحدث له، لم يكن صريحاً مثل تنسي ولميامز ، بل كان مغروراً .

ذهب النقاد في تقويمه مذاهب شتى ، حسب منطلقاتهم الفنية والجمالية والأيدلوجية ، اتفقوا على ان مسرحه ضرباً من الأحاجي ، وعواطفه يتداخل فيها الحب بالكراهية ، والحسد في الازدراء .

ويعتمد على المراسم المازوكية والسادية ( كما في الخادمات مثلاً ) وكأن الشر في داخل جينيه هو استعارة فنية من حقائق الدنيا نفسها ، وما رجل المصارف سوى سارق محترم !

وما الراهبـة الا بغـي متساميـــة .

بمثل هذا الرفض الشنيع لأخلاقية الواقع ، يعبّر عن كم هائل من محركات الروح التدميرية ، التي دشنها في سلوكه العام ، على مستوى الشخص الاجتماعي ، وكذلك عبّر عنها في سلوكه الإبداعي ، وهو يكتب نصوصه المسرحية .

عبّر عن تدميريته هذه ، بما يسمّى بـ( التماهي الاسقاطي )  حيث صبّ سوءه وعدوانيته على مجتمع البرجوازيين ، مثل السيدة في مسرحية السود ، وجنّب الخادمات اللواتي يتعاطف معهن من هذه الشرور ، وكأن يقدم ( هوام ) Phantasy   على شكل نصوص حسّية مسرحية ، من قتل واغتصاب وتدمير ، كاستعارة لأشكال إشباع بدائية ، ورغائب جنسية مكبوتة .

روبرت بروستاين يوصف جينيه بأنه سيمائي ، إبداعي ، خصي ، بميوله الراديكالية الميتافيزيقية ، وهو معادل عصري لديانات الغموض والأسرار ، وانه يبرر فشله في مسرحية الخادمات ، بأنه راجع الى تحيّزه اذ يجعل الشخصيات على المسرح تشبيهات حسب لما هو مفروض ان يمثلوه .

لقد أراد جينيه ان يرّد الاعتبار لما هو خسيس !

بان يجعل من الرجس شيئاً أنيقاً ، غنائياً ، شاعرياً ، انه ( هدّام ) ضد المدنية والمجتمع المحترم ، ويبحث عن اللعنة من جنسه البشري ، كأنه يعيد توصيف رامبو لنفسه وهو يكتب ( كانت النكبات ربي . لقد حططت نفسي في الوحل ، وجففت نفسي في هواء الجريمة .)

هل وصل جينيه في مسرحه حقاً الى تقديم صورة فنية ، لإبادة الجنس الأبيض بأسره ، كما يدعي بروستاين ؟ حتى القضاة هم متلازمون مع الحياة .

يقول القاضي في مسرحية ( الشرفة ) : ان وجودي بصفتي قاضياً هو فيض منشق من وجودك بصفتك لص .

هل هذه الروح العدوانية ، تعبرّ عن نفسها بالحروب التي خاضها الغرب الكولونيالي ، بوصفها من أمراض الجسم الرأسمالي نفسه ، ومن إفرازات التدميرية الاحتكارية ضد المستهلكين ، المحاصرين بأشدّ أنواع الاستغلال ، والتهميش والإبادة ؟

يذكر كريستوفر إنيز – بأن قهر الشعوب المستعمرة في مسرحيات جينيه ، لايطرح بغرض ابراز التحرير السياسي ، ان البؤس الذي تعانيه هذه الشعوب يتم إعلاء قيمته باعتباره خطوة ضرورية في طريق السمو والتأله الروحي الذي يعتمد بشكل كبير على قسوة المستعمرين وظلمهم ويضيف إينـز :

   لقد احتلت الرموز الجنائزية مركز الصدارة في مسرح جينيه محل علامات رمزية أخرى مثل القبضات المضمومة والأعلام الحمراء التي عرفها المسرح السياسي .

في قراءة للمسرح المعاصر ، يثبت جان بير رينجير بان مسرح جينيه يعتمـد على ( التمسرح ) ، وعلى تأكيد الإيهام بكل صوره ، ذلك لان جينيه يرفض العالم الواقعي ، ويروم خلق عالم تسوده ( الطقسية ) و ( الموت ) .

وهنا تبرز الحالة التدميرية بربطها للعالم الحسيّ الواقعي ، بعالم الفن ، باختلاط عجيب ، وليس مثل جان جينيه من ارتبطت حياته بانحرافاتها الشنيعة ، بانحرافات فنه المأخوذ بانزياحاته الشاذة ، الخارجة على قوانين الحياة ، ينتقم من الأبوية في الفن ، وهو ما تبينّه رسائله الى مخرج أعماله ، لأنه ان كان لايفهم كثيراً في الإخراج المسرحي ، فانه يفهم نفسه أكثر من أي إنسان آخر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصــــادر

 

1-                       جان بيير رينجير / قراءة المسرح المعاصر

          ترجمة : أ.د. حمادة إبراهيم

          مطابع المجلس الأعلى – القاهرة : 2004 .

2-                       كرستوفر إينز / المسرح الطليعي / القاهرة

          مطابع المجلس الأعلى القاهرة .

3-                       بامبر جاسكوني / الدراما في القرن العشرين .

          ترجمة : محمد فتحي – دار الكتب العربي للنشر والتوزيع .

4-                       محمد شكري / جان جينيـه في طنجــة .

          منشورات الجمل ط2 : 2006 .

5-                       روبرت بروستاين / المسرح الثوري .

          ترجمة : عبد الحليم البشلاوي – القاهرة.

6-                       مسرح العبث / ترجمة د. عبد العزيز حمودة .

         المطبعة الثقافية – القاهرة : 1970 .

7-                       جان جينيه / الخادمــــات.

         ترجمة : سمير احمد ندا

         مطبعة دار التأليف بمصـر .

8-                       يوسف عبد المسيح ثروت / دراسات في المسرح المعاصر .

         مكتبة النهضة ط2 – بغداد : 1985 .

 

 

  

 

Comments are disabled.