يعنى خطاب التأويل Hermenoticus الاهتمام بمناهج لتفسير الأدب والفن ويتموقع في الأصل والأساس
بتأويل الكتب المقدسة وتأتي كلمة “تأويل” اشتقاقا من الكلمة اليونانية
hurmantics التي تشير الى المرء الذي
القدرة على التفسير، او جعل الأشياء واضحة، وترتبط ايضا بالكلمة اليونانية
 hermus بـ(هرمز)
رسول الآلهة المعروف بقدرته على الابتكار.(1)

والتأويل في أوسع معانيه هو “توضيح مرامي العمل الفني ككل ومقاصده باستخدام وسيلة اللغة،
وبهذا المفهوم ينطوي التاويل على “شرح” خصائص العمل وسماته، مثل النوع الادبي الذي
ينتمي اليه ومقاصده وبنيته وغرضه وتأثيراته”([1]).

وقد تطور مفهوم التاويل في القرن التاسع عشر واصبح يعنى بتاسيس
الاجراءات والمباديء، المستخدمة في الوصول الى معاني النصوص المكتوبة وهذا ما حققه
(شيلر ماخر) في تاسيسه نظرية (فن) او صنعة ادراك النصوص عموما وخصوصا فيما يتعلق
بعملية (الفهم) اذ يقرر (شيلر ماخر) ان معنى النص يتغير بتغير المجتمع الذي تلقى هذا النص،
ومن ثم الحاجة الى اعادة بناء النص عدة مرات (…) وقد اطلق على عملية اعادة البناء هذه
(الفهم) واصبح مصطلحا رئيسا في المناظرات التالية عند المقارنة بين الشرح في مجال العلوم
والفهم في مجال العلوم الانسانية”([2]) اذ اصبح التركيز على الدور الفعال للجماعة المفسرة او
الجمهور احد الاسس الرئيسة في خطاب التاويل الذي عد تقنية نقدية في الرجوع الى المعنى
الاول والخالص وبذلك يمكن وصف (الهيرمنوطيقا) بانها طريقة للاشتغال على النصوص لتبيان
بنيتها الداخلية الوضعية ووظيفتها المعيارية والمعرفية عن طريق البحث عن الحقائق المضمرة في النصوص لضرورات

تاريخية وذلك بالرجوع الى البدايات والمصادر الاصلية لكل تاسيس معرفي وتعد الحركة المتبادلة
بين الكل والجزء ثم العودة من الجزء الى الكل هي صورة لما عرف فيما بعد (الدائرة الهيرمينوطيقية) التي ت
طورت فيما بعد على يد (فيلهم دلتاي) الذي حاول ان يربط خطاب التاويل باشكالية قراءة الكتب
ومن ثم قام بتاسيس مبدا حديث في خطاب التاويل اذ يرى “ضرورة ان نفهم النصوص انطلاقا من النصوص
نفسها، وليس اعتبارا من المذهب الذي تنتمي اليه، بحيث لا يوجه المذهب النص، بل يستقل هذا الاخير
بحقيقته عن كل توجه يسجنه ضمن اطاره الخالص”([3]).

وفي وصفه للطريقة التي يتم على اساسها فهم معنى النص اطلق تسمية (الدائرة الهيرمينوطيقية)
وهي تدل على انه “لفهم المعاني المحددة لاجزاء أي وحدة لغوية يجب ان تقترب من هذه الاجزاء بفهم
مسبق لمعنى الكل مع العلم انه لا يمكن معرفة معنى الكل الا اذا عرف معاني اجزائها المكونة لها”([4]).

وعلى هذا الاساس فان “الحركة الازدواجية من الفردي الى العام وعودا مرة اخرى من العام الى
الفردي صوره اخرى من صور الدائرة التاويلية([5]) التي اقترحها (شيلر ماخر) وطورها (دلتاي) فقد
عدها دائرة مفتوحة وغير مغلقة اذ يرى “اننا نستطيع التوصل الى تاويل مشروع من خلال التبادل
المستمر بين احساسنا المتنامي بالمعنى الكلي وفهمنا الاسترجاعي لمكوناته الجزئية”([6]) وهذا ما يبدو
جليا من خلال الدور الفعال الذي لعبه (ديلتي) في خطابه التاويلي في المسرح والدراما خصوصا في
تعريفه للدراما بوصفها “حالة متطرقة تجعل حدود الفهم في متناول النظر، وتلك الحدود يتضمنها
اسلوب العرض، اذ ان العمل الادبي يشكل نموذجا داخلياً قد لا يكون في تسلسله من حيث الترتيب الزمني ومع هذا نستطيع

ان نفهمه في تسلسله الخطي اثناء القراءة، او نسمعه داخل الزمن”([7]) ثم يضيف مؤكدا في
قرائته للمسرحية “عندما اقرا عملا مسرحيا فانني اسسر بخطوات واسعة كما افعل في الحياة ذاتها ويفقد الماضي
وضوحه وتميزه وهكذا تفقد المشاهد في الظلام وتضيع ومبداي هو: بقدر ما احافظ على هذا الوصل، بقدر ما
استطيع تحقيق نظرة فوقية موجودة للمشاهد، ولكن عندئذ لا يكون لدي غير الهيكل، اما ادراك الكل فاني
اقترب منه فقط من خلال تجميعه في ذاكرتي، بحيث تتحد كل اللحظات التي تتواصل معا في وحدة واحدة”([8]).

وعلى هذا الاساس يوضح (ديلتي) بان عملية (الفهم) الدرامي تتخذ شكلها المتناوب والمتبادل بصورة مستمرة،
بوصفها حركة مكوكية غير خاضعة للاستقرار وذلك لعلاقتها بذواتنا وبتجربتنا الشخصية” فالدراما على خلاف كل
الاشكال الفنية- هي ذلك الفن الذي يدنو كثيرا من الظروف التي يجب ان نفهم من خلالها تجربتنا الذاتية،
التي تهرب منا وقت حدوثها، كل لحظة تتعرض لخطر الانفصال عن اللحظة الاخيرة”([9]).

ويحيلنامفهوم التاويل الى (هانز جورج غاديمير) ليس لان اسمه ارتبط بهذا الخطاب ارتباطا اساسيا،
بل لان الرجوع اليه هو رجوع الى الاصول، ولان التاويل احتل مساحة، واسعة ضمن مشروعه الفلسفي وكتابه
(الحقيقة والمنهج) يعد بمثابة القواعد الاساسية للتاويل ولاسيما في معالجته للمحاور الكبرى مثل اللغة والفن والتاريخ،
فقد اثار استخدام كلمة (تاويل) جدلا واسعا وذلك من خلال ملامسته لمعارف متقاربة فنية وادبية وكذلك تعمقه
في البحث عن اسس الموضوعية في العلوم الانسانية، فقد ذهب (غاديمير) بحركية واقع (الهيرمينوطيقيا)
الى ابعد حد عندما ميز بين ما يتعلق بالمنهج وما له علاقة بقضية الحقيقة مؤكدا ان المنهج مسالة ينبغي
ان يعاد النظر في مشروعيتها ويقرر في هذا التصور “ان الحقيقة سياقات معينة تراوغ المنهج، ذلك ان المنهج هو تلكم

الصيغة العلمية للتعرف، والتي لها مكاسب لا يمكن بحال من الاحوال النزاع في امرها وشانها على
الرغم من ان كل صيغة لها خسائرها (..) ان صيغة المنهج هي حركية الذات التي تسيطر على الموضوع”([10]).

ويضيف من جهة ثانية في اطار رسمه لحركية الفهم واجابته عن سؤال: ما هو المنبع الذي يصدر منه الفهم؟

“ان ظاهرة الفهم ومن ثم تاويل فهم ما تاويلا صحيحا لا يشكل مشكلا متميزاً يتعلق بمنهجية العلوم الانسانية فقط،
فالفهم وتاويل النصوص ليس حكرا على العلم، ولكنهما يتعلقان اساسا بالتجربة الشاملة التي يكونها الانسان
عن العالم ومن ثم فان خطاب التاويل ليس مشكلة منهجية”([11]) وهذا يعني ان مشكلة التاويل ومن ثم
مشكلة الفهم بصفة عامة لا تكتفي باستقصاء علاقات الانسان بالعالم وانما بالعمل على بلوغ الخصوصية و
الاستقلالية وعلى مقاومة ذلك التوجه الذي يعمل على اذابته داخل المنهج العلمي، ومن هنا فان الرهان الاساسي
لا يتعلق بايقاف الحوار والتفاعل بين التاويل والعلوم الانسانية بل المحافظة عليه والدعوة الى مقاومة ذلك الانحلال
في هذه العلوم وفي حقول معرفية اخرى انطلاقا من القدرة في ان تجعل الذات تسير وفق منهج مضبوط يقربها
من الادراك وسبر اغوار المعرفة.

وقد حاول (غاديمير) ان يفرق بين المنهج التاويلي والفهم ويميز بين نوعين من الفهم:

1. الفهم الجوهري: وهو فهم محتوى الحقيقة التي تنكشف بقراءة النص.

2. الفهم القصدي: وهو فهم مقاصد واهداف المؤلف.

فا لفهم القصدي هو وسيلة استراتيجية يستعان بها في اللحظة التي يحقق فيها الفهم الجوهري
في ادراك حقيقة ما يؤطره السؤال التالي: ماذا كان يقصده هذا الفرد بالذات، وينتقل (غاديمير)
من المنهج الى الحقيقة، لان علاقة القاريء بالاثر الفني او الادبي او الفلسفي هي علاقة بالحقيقة
كانفتاح وكشف (الحقيقة كانارة وكشف) ففهم الاثر الفني لا ينفصل عن فهم حقيقته غير ان هذه الحقيقة
لا تنفك عن نمط التجارب المعيشة والممارسة، ولذلك فان تعاضد الحقيقة بالتجربة عند (غاديمير) هو
اعتبار الفهم عند القاري لما يقوله النص- او العرض في سياق لحظتنا الراهنة فعلاقته هي بذاته اذ
يتعلق الامر بانصهار افاق المعنى بوضعية القاريء الراهنة، كما يبين ذلك (غاديمير” ان القاريء سياتي ا
لى النص حتما بفهم مسبق مكون من افاقه الزمنية والشخصية الخاصة وعليه ان لا يحاول كذات تحليل
وتشريح النص على هيئة (موضوع) مستقل، ولكن بدلا من ذلك عليه كـ(انا) ان يوجه اسئلة الى النص على

هيئة (انت) ولكن بانفتاح مستعد لتقبل الافكار الجديدة(…) وان المعنى المفهوم للنص بوصفه حدثا يتم ا
لوصول اليه سيكون حتما (دمج افاق) يجلبه القاريء الى النص والنص الى القاريء.([12])

وعلى هذا الاساس فان خطاب التاويل هو عملية تشاركية بين الافاق التي يبثها
العرض المسرحي وافاق المؤول- الناقد وما يضفيه الاخير من خبرته الشخصية والذاتية
وامكاناته الداخلية (التاملية- التخيلية) بوصفه ذات مؤولة وكما يصف الناقد الفرنسي
(جورج بولية
George poulet ) مفهوم النقد التاويلي بقوله: ان غاية النقد هو ان
يصل الى معرفة وثيقة بالحقيقة النقدية(…) ومثل تلك الوثاقة لا تبدو ممكنة الا بقدر
المدى الذي به يصبح التفكير نقديا فبمقدوره ان ينجح في هذا الفعل- عندما يستطيع
ان يعيد الشعور والتأمل والتخيل لهذا التفكير من الداخل(…) ان النقد ينبغي ان يكبح نفسه
من رؤية موضوع من نوع ما (سواء كان شخص المؤلف الذي يرى على انه اخر، او
عمله الذي يعتبر شيئا ما، فما يتعين الوصول اليه هو الذات التي هي نشاط روحي
لا يستطيع ان يفهمه احد الا بوضع نفسه في مكانه، ويلعب الدور مرة اخرى داخلنا بوصفه ذاتا”([13]).

فالحقيقة التي يطرحها خطاب النقد التأويلي للنص او العرض المسرحي هي حقيقة غير
ثابتة ونسبية تتغير تبعا لتغير (النص-العرض، وكذلك (المؤول- الناقد)  ومما لاشك فيه ان المسار
الذي يتحول فيه النص المكتوب الى معروض على خشبة المسرح يخضع لتحولات متعددة في خطاب ا
لتاويل ولاسيما العرض المسرحي بمظهريه الخارجي (الظاهر) والداخلي (الباطن) وبناء على ذلك ل
ا تنحصر وظيفة الخطاب النقدي بحدود ثابتة وانما بالولوج الى سبر اغوار دلالات العرض
المسرحي بما فيها كل تلك الدلالات الغائبة والمغيبة وعليه فان عملية انتاج المعنى يمكن
ان تتغير من مؤول الى اخر بل انها يمكن ان تتغير عند المؤول ذاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر والمراجع

 

  1. آرثر ايزابرجر، النقد الثقافي تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة ,
  2. ميجان الرويلي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي ،
  3. ايلينور شافير، المنهج الهيرمونطيقي في المسرح والدراما ضمن كتاب اتجاهات جديدة في المسرح لجوليان هلتون

4.  محمد شوقي الزين، فن التأويل، محاضرة مطبوعة على الالة الطابعة، قدمت في أعمال
قصر الثقافة والفنون، الجزائر، وهران، 7 يوليو، 1996.

  1. م.هـ. ابرامز، المدارس النقدية الحديثة في معجم المصطلحات الادبية،

 



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Comments are disabled.