مناقشة اطروحة الدكتوراه الموسومة (تناص الخفاء والتجلي في تكوينات الخط العربي) (للباحث محمد راضي) من قسم الخط العربي والزخرفة وبأشراف(ا.د. جواد الزيدي)
يبدأ الباحث من التناص حيث دأب الخطاطون على مر العصور والمراحل التاريخية على الملاحظة الدقيقة والتمعن للأصول الخطية للخطاطين السابقين لهم والمعاصرين – كونهم أساتذة لهم بصمات مهمة في تطور وارتقاء فن الخط العربي عامةً- بوصفه فعل عملياتي ساهم بالمحافظة على الأصل القاعدي واثبات قدراتهم ومهاراتهم التجويدية، واستنباطها لتكوين اشتغالات فنية أُخرى تساهم بإعطائهم الخصوصية، وبصورة أدق مؤثرات فنية يتتبعها الخطاطون اللاحقون في تعلم هذا الفن ليستلهمون عنها ما يتوافق ومراميهم الفنية أو يتجاوزون عن بعضها، وفي أحيان أخرى تنضاف إليها، ومن ثم فأن عملية تتابعية تكرار التشكلات النصية تؤدي كفعل ما نسميه بـ(التناص) وفق التوجهات الحديثة، الذي يشير بوضوح الى التفاعل والتشارك الفني، ليتداخل مع مختلف إبداعات وأفعال الإنسان الاجتماعية منها والفكرية والفلسفية والأدبية عامةً، وبصورة خاصة هنا في تكوينات الخط العربي، ويجيء ذلك التشارك عن طريق القصدية غير المباشرة “المخفية” منها أو المباشرة “المتجلية”، وفي خضم هذا التوجه عني البحث بدراسة تناص الخفاء والتجلي في تكوينات الخط العربي، والذي تضمن أربعة فصول، إشتمل الفصل الأول على مشكلة البحث وأهميته وهدفيه وحدوده ومصطلحاته.
أما الفصل الثاني فقد إحتوى ثلاث مباحث، تناول المبحث الأول مفهوم التناص وآليات الأشتغال بما فيها متعالقات النص والتناص واشتغالاته “الاجترار، الامتصاص، الحوار”، وجاء المبحث الثاني للتعرف على التناص بشقيه الخفي والمتجلي في الفن المرئي، في حين أهتم المبحث الثالث بالتقصي عن التناص وآلياته في تكوينات الخط العربي، بما فيها أهميته ودواعيه، ولاسيما تصير التناص بين الشكل والمضمون في التكوينات الخطية، والأسلوب والفاعلية، فضلاً عن المعانٍ التي تتسق مع التناص ضمناً أو ترادفاً. وجاء الفصل الثالث ليمثل إجراءات البحث من خلال الاعتماد على المنهج الوصفي (تحليل المحتوى)، ومعرفة عدد المجتمع الذي بلغ (150) تكويناً خطياً مصنفة على وفق ما تتناص مع التكوينات ذاتها ومقسمة عبر آلية (الاجترار، الامتصاص، الحوار)، اختير منها (12) أنموذجاً مع متناصاتها لتُصبح (25) تكويناً خطياً جرى عليها التحليل، الذي أعتمد فيه الباحث على وفق أداة البحث المتمثلة بإستمارة لمرتكزات التحليل مفاهيمياً، والتي بُنيتْ على وفق مؤشرات الإطار النظري وتوجيهات السادة الخبراء.
وخلص التحليل إلى عدد من النتائج، ونوضح أهمها من الفصل الرابع، إذ إن وظيفة التناص تجعل من النص الآخر “السابق أو المعاصر” منها، نصاً متوافراً ومفعماً بالحيوية، واتضح أن التناص برمته ليس نابعاً من الرؤية الغربية، بل على العكس تماماً وبدليل ما أورده الإمام علي (ع)، مما عكس اشتقاقه من التراث العربي وعلى وفق المفاهيم البلاغية في ذات التراث، فضلاً عن إن للتناص في الخط العربي اشتغالات متنوعة تنقسم على: (التطابقي، الحضاري، الحروفي المحمول، المشق التبديلي، المتماهي، الأستعاري، التضميني، الإيحائي، المتوالد، ألتأثري التقليدي، التحويري، المكثف)، ولاسيما ظهور تناص التجلي بصورة غالبة على تناص الخفاء في تكوينات الخط العربي، فيما بَدت بعض التكوينات تمتلك تناصات تجمع بين الخفاء والتجلي، في حين بينت التكوينات الخطية المحاكية للأشكال الواقعية مدى التفكر والتبصر المهاري الفاعل للخطاط، وجعلت موضوعة التناص العطاء الفني للخطاط متواصلاً بين التراث والأصالة، مرتبطاً بالواقع وروح العصر دون أية رؤية ذاتية متضخمة، واستفاد الخطاط اللاحق من توجهات التكوينات الخطية السابقة، ليشكل من كل تلك التصيرات الفنية دلالات إنشائية جديدة، تستلهمهُ رائياً لتستفزه لقراءات مبتكرة.


وأوصت الدراسة بتضمين المقررات الدراسية التي تُعنى بفن الخط العربي دروساً تطبيقية، يُركَز فيها على إمكانية الإفادة من موضوعة التناص في إنشاء وتجديد التكوينات الخطية، حث التدريسيين وطلبة الدراسات العليا على الأخذ بعين الاعتبار التقصي والبحث الدقيق عن هكذا موضوعات مشابهة تتناول جانب فني وآخر نقدي أو لغوي، والتي يتوخى منها الوصول لبحوث ذات معطيات تعليمية وأكاديمية مميزة ومُحدثة للميدان، وإمكانية الاعتماد على توصلات البحث لاستقدام آلية أخرى غير التناص من فنون الأدب والقصة والرواية ومدى اشتغالها في ميدان فن الخط العربي، من قبيل “الأسلوبية، التفكيكية، الظاهراتية”، ولاسيما التشجيع على إصدار مطبوعات يثبت فيها التناص وتمثلاته في تكوينات الخط العربي موضوعياً وعملياً، واقترحت دراسة تناص الخفاء والتجلي في فنون المنمنمات، فضلاً عن دراسة تناص الخفاء والتجلي في فنون المصاحف. 

Comments are disabled.